أكثر من 250 قتيلاً و400 جريح حصيلة تفجيرات سريلانكا الإرهابية التي ضربت كنائس وفنادق في دولة تبحث عن السلام بعد حرب أهلية دامية سنوات طويلة.
جثث القتلى بين مقاعد الكنائس أو في قاعات الطعام والاستقبال في الفنادق تؤكد مدى الوحشية التي يتبناها فكر ظلامي ليست له علاقة بالإنسانية أو الأديان أو الشرائع السماوية أو القوانين الأرضية.
هذا الإرهاب الدموي يتنقّل من منطقة إلى أخرى باسم الإسلام والمسلمين.. والإسلام والمسلمون منه ومن منفذيه براء.
ولولا التحليل العبثي لنظرية المؤامرة لقلنا إن هؤلاء جزء من هذه النظرية، فما الذي قدمه تنظيم «داعش» الإرهابي للإسلام والمسلمين سوى مزيد من العنصرية والكراهية بحقهم ومزيد من الخوف منهم وبروز مصطلح «الإسلام فوبيا».
الفكر الشاذ تسبب بدمار هائل في العديد من الدول العربية كسورية التي ما زالت تصارع وحش «داعش» والتنظيمات الأصولية التي دمرت البلاد وحرقت الناس أحياء واغتصبت النساء باسم الدين، وأعادت سورية إلى ما قبل خمسين عاماً، وأخرجتها من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وشجعت إدارة ترامب على اتخاذ قرارها الأخير بضم الجولان.
أما في العراق، فعززت الطائفية والمذهبية، وبعد أن كان الجيش العراقي العربي القومي أقوى جيوش المنطقة تقوقع بفضل داعش وفكرها الشاذ وتقسّم العراق افتراضياً، واستغل الغرب داعش وقبلها القاعدة من أجل تقسيم بلاد ما بين النهرين إلى ثلاث أو أربع دول، بينما لا تزال المدن والمحافظات العراقية تعاني حتى يومنا هذا.
أما ليبيا فتلعق جراحها فيما تحكم فصائل تعتنق الفكر الداعشي الكثير من المناطق في هذه الدولة النفطية … وبدل أن تكون دول علم وتنمية، يجرها هذا الإرهاب إلى عهود التخلف والتبعية.
في مصر يحاول هذا الإرهاب بكل قوة أن يضرب الجيش المصري وأن يبقيه في حالة كر وفر مع هذا التنظيم الذي يزرع خلايا القتل والدمار في شبه جزيرة سيناء، ويحاول أن يتمدد إلى المدن والمحافظات المصرية من أجل إحداث خلخلة وعدم توازن في الدولة المصرية.
الفكر الداعشي أغرق المنطقة في الدم والدمار، واخترقته مخابرات دول كثيرة وعلى رأسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي تسبب فيه هذا الإرهاب في إبعاد النظر عن القضية الفلسطينية وساهم في تعزيز قوة الاحتلال، في ظل بحث بعض الأنظمة عن الحماية الأميركية عقب تغول وحش الإرهاب.
نعود إلى سيريلانكا، وهي دولة جزرية تقع في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية التي كانت تعرف سابقاً باسم «سيلان»، لها إرث حضاري يمتد على ٣٠٠٠ سنة، تحاول الحفاظ على مكوناتها الدينية والأثنية، ونشر عقد اجتماعي قائم على السلام والمواطنة المتساوية للجميع، 70٪ من سكانها يدينون بالبوذية، و12٪ بالهندوسية، و10٪ من المسلمين و7٪ من المسيحيين.
بعد التفجيرات بدأت أصابع الاتهام تشير إلى الطائفة الإسلامية التي هي براء من هذا الإرهاب. بعد أن خلقت جريمة داعش حالة من التوتر في هذا البلد ما جعل من الصعب إخراج المسلمين هناك من دائرة الشك والخوف.
التفجيرات الدموية لم تستثن أحداً، أطفالا ونساءً وشيوخاً، عباداً ونساكاً، بعد أن ادعى تنظيم داعش وذراعه حركة التوحيد في سريلانكا أن هذا الإرهاب الأعمى جاء رداً على جريمة نيوزيلندا.
أي هراء هذا. شخص مجرم متعصب قاتل ارتكب جريمة في نيوزيلندا فيعاقب «داعش» أطفال سريلانكا بالقتل؟!!!
في نيويزلندا وقف الشعب وفي مقدمتهم رئيسة الوزراء للتأكيد على أن المهاجرين المسلمين جزء أصيل من البلاد.
تحرك الشارع في نيوزيلندا، واحتضن عائلات الضحايا، واتخذت الدولة مجموعة قرارات حول امتلاك السلاح وتأمين الحماية للمساجد، وما زال الشعب النيوزلندي يقدم الاعتذار تلو الآخر للمسلمين عن هذه الجريمة النكراء.
في الدول الإسلامية، ماذا فعلوا، الكل يقرأ الخبر، وعلى قاعدة في بلاد بعيدة، لا علاقة لنا. وهذا أمر مؤسف. كنا نتوقع ارتفاع صوت المسلمين في كل أنحاء العالم. وتسيير المسيرات المنددة بهذا الإرهاب. وملاحقة الفكر الإرهابي الشاذ الذي يتسع أمام أعين الجميع، والغالبية صامتة، مع ترسخ الفكر الداعشي الإرهابي وامتداده في كثير من المناطق على مستوى العالم. هناك من يدعمه من أجل التأكيد على نظرية «الإسلام فوبيا»، وهناك من في مصلحته أن يظل هذا التنظيم بمثابة الفزاعة التي يستخدمها لضرب العرب وخاصة القضية الفلسطينية.
من هنا يجب على الدول العربية إعادة النظر في المناهج الدراسية وبناء ثقافة جديدة تعتمد على أسس الإسلام الصحيح القائم على السلام والمحبة وليس الذبح والحرق.
ماذا يفهم إرهاب داعش من آية «بسم الله الرحمن الرحيم».. فأي رحمة يحملها هؤلاء وإلى أي دين ينتمون. اجتثوهم أينما كانوا فكراً وأفراداً ومظاهر اجتماعية واقتصادية قبل أن يتمكنوا من اجتثاثنا. مع التعازي الحارة لعائلات الذين سقطوا جراء الإرهاب الداعشي باسم الإسلام.
[email protected]
أضف تعليق