تتعلق الآمال بالعلاج المناعي للسرطان، وفي حوار مع صحيفة نوفال أوبسرفاتور الفرنسية، يشرح اختصاصي علم الأورام في معهد "كوري" كريستوف لو تورنيو، التوقعات التي يمكن انتظارها من هذا العلاج.

وأشار لو تورنيو إلى أن الاكتشاف الأخير للعلاج المناعي يسمح لبعض المرضى بالتعايش مع مرض السرطان سنوات طويلة، لكنه لم يسمح برفع معدل الشفاء بشكل كبير حتى الآن.

وفي الحديث عن المرضى الذين يُقترح عليهم تلقي العلاج المناعي، أفاد لو تورنيو بأنه من الضروري التمييز بين حالتين: المرضى الذين يعانون من سرطان موضعي متواجد في مكان واحد، أي دون هجرة الخلايا إلى مكان آخر، والآخرين الذين يعانون من الانبثاث، أو هجرة الخلايا السرطانية.

وواصل أنه في الحالة الأولى يعد الشفاء ممكنا. وتتمثل أبرز العلاجات في الجراحة والعلاج بالإشعاع، ويضاف إليهما أحيانا العلاج الكيميائي والعلاج الموجه أو العلاج الهرموني لفترة محدودة.

أما في الحالة الثانية، فيكون الشفاء نادرا. ويهدف العلاج إلى احتواء السرطان لأطول فترة ممكنة. وهكذا يخضع المرضى عادة لعلاج مدى الحياة.

وبيّن الاختصاصي أن العلاج المناعي مخصص للمرضى الذين يعانون من السرطان العائد فحسب، وأثبت هذا العلاج أنه قد يكون فعالا في مقاومة العديد من أنواع السرطان. ومن المذهل أن المرضى لا يستجيبون للعلاج طيلة سنوات فقط، بل يمكنهم حتى التوقف عن الخضوع له تمامًا. لكن، للأسف تظل هذه النتيجة نادرة جدًا في ظل العلاجات المناعية الحالية.

وفسّر كريستوف لو تورنيو آلية العلاج المناعي قائلا إنه منذ قرن، كان العلماء المختصون في علم المناعة مقتنعين بأنه بالإمكان مكافحة السرطان من خلال التأثير على جهاز المناعة. ويعتمد العلاج المناعي في الأساس على جهاز المناعة. وتجدر الإشارة إلى أن الخلية الطبيعية تصبح سرطانية عن طريق تعديل حمضها النووي. وعقب هذا التعديل، تفرز الخلية السرطانية مولدات الضد التي سنطلق عليها اسم "نيوأنتيجين".

مناعة

وأضاف الاختصاصي أنه عندما يعمل بشكل طبيعي، يتعرف جهاز مناعتنا على "النيوأنتيجين"، ويعلم أن وجودها غير طبيعي، ويدمر بالتالي الخلايا السرطانية التي ينتجها. لكن، تستطيع هذه الخلايا السرطانية خداع جهاز المناعة عن طريق إفراز جزيئات، على غرار بروتين موت الخلية المبرمج 1 أو بروتين مرتبط بالخلايا اللمفاوية التائية السامة 4، التي تجعله يعتقد أنها خلايا طبيعية.

وأورد المختص أنه في هذه الحالة، يمكننا القول إن جهاز المناعة يطمئن ويتوقف عن أداء وظيفته. وفي هذه المرحلة بالذات، يتدخل العلاج المناعي. ومن خلال استهداف بروتين موت الخلية المبرمج 1 أو بروتين مرتبط بالخلايا اللمفاوية التائية السامة 4، يعيد العلاج المناعي تنشيط جهاز المناعة الذي سيدمر خلايا الأورام".

ووفقا للخبير، تعتبر آلية العمل هذه ثورية، لأنها لا تهاجم الخلايا السرطانية مباشرة، كما هي الحال مع العلاج الكيميائي أو العلاجات الموجهة، وإنما تسمح للمرضى بالقضاء على الخلايا السرطانية من خلال أجهزة مناعتهم.

وحول حدود العلاج المناعي، بيّن لو تورنيو أنه "حاليا تتمثل أبرز النقائص في عدم نجاحه إلا مع نحو 20% من المرضى، علما أنه لا ينطبق سوى على أنواع معينة من السرطان (مثل سرطان الرئة، والأنف والأذن والحنجرة، والكلى). وفي صفوف هذه المجموعة، سيكون العلاج فعالا للغاية لعدة أشهر أو سنوات. وقد يتوقف بعض المرضى عن تلقيه، لكننا لا نعلم إذا كانوا قد تخلصوا من المرض حقا.

وواصل "فعلى سبيل المثال، يمكن لمرضى سرطان الحلق -في السابق- الذين يعانون من عودة هذا المرض، البقاء على قيد الحياة لمدة سنة. أما الآن، فأعرف أشخاصا خضعوا للعلاج المناعي لمدة سنة أو اثنتين أو ثلاث، ثم أوقفوا العلاج وهم بحالة جيدة الآن".

وفي ما يتعلق بعدم استجابة 80% من المرضى المتبقين للعلاج المناعي، علق الباحث قائلا إن هذا الأمر موضوع أبحاث كثيرة. وبالنسبة لمرضى بقية أنواع السرطان، ليس للعلاج المناعي أي تأثير، ولا زال الأطباء يجهلون السبب.

وأضاف أن الهدف اليوم يتمثل في تحديد 20% من المرضى الذين يستجيبون للعلاج المناعي بشكل جيد. كما يجب التوسع في إيجاد علاجات مناعية أخرى أو مجموعة علاجية لبقية المرضى، سواء كانت مجموعة من العلاجات المناعية مع بعضها البعض أو مع العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي. ويجري حاليا تقييم العديد من المجموعات العلاجية.

آثار جانبية

أما في ما يتعلق بالآثار الجانبية للعلاج، قال الخبير إنه في أغلب الحالات، لا توجد آثار جانبية للعلاج المناعي لدى المرضى، كما أنهم لا يفقدون شعرهم، ونادرا ما يشعرون بالغثيان. ويمارس بعض المرضى الذين يشعرون بأعراض قليلة حياة طبيعية جدا في العمل، كما أنهم قادرون على السفر.

ووفقا لهذا الاختصاصي، فيمكن في حالات نادرة أن يؤدي العلاج المناعي إلى تأثيرات غير مرغوب فيها. وتحت تأثير إعادة تنشيط الجهاز المناعي، يعمل الجهاز المناعي في بعض الأحيان على تجميع الأجسام المضادة، وهذا يمكن أن يؤثر على جميع الأعضاء والجلد والغدة الدرقية والبنكرياس أو حتى على القلب والرئتين. لكن، غالباً تكون مضاعفات المناعة الذاتية ضئيلة.

وتتراوح تكلفة العلاج المناعي بين ثمانين ومئة ألف يورو سنويا (91 ألفا و113 ألف دولار)، وهي تكلفة عالية جدا مقارنة بالعلاج الكيميائي الذي تقدر تكلفته بما بين خمسة وعشرين ألف يورو سنويا. ومع ذلك، يشير الخبير إلى أن التجارب السريرية، التي يجريها مع الخبراء في معهد كوري في باريس، تسمح للمواطنين بالوصول إلى العلاجات المناعية غير المتوفرة في فرنسا بسهولة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]