قبل يومين احتفلت سلطات الاحتلال بافتتاح شارع الفصل العنصري شمال القدس المحتلة، الشارع الأول الذي يكرس حالة "الأبرتهايد" بشكل رسمي وعلني.
الشارع المقسم إلى مسارين - الأول للفلسطينيين والثاني للمستوطنين، يفصل بينهما جدار بارتفاع 8 أمتار - يظهر مدى تغول اليمين الإسرائيلي وانفلاته غير المسبوق وضربه بعرض الحائط القيم والمعايير والقوانين الإنسانية والدولية.
شارع الفصل العنصري أقيم على أرض فلسطينية مغتصبة، وتفرع عنه قبل 3 سنوات شارع عنصري آخر يصل الطريق الرئيسة بمستوطنة "آدم"، وأقيم في حينه على أرض فلسطينية خاصة، ليسمح فقط للمستوطنين باستخدامه في ذروة الأزمة المرورية، فيما يحظر على الفلسطينيين السير عليه. لم تكن هناك حجج أمنية، وإنما دواع عنصرية واضحة؟ وفي حينه لم يرتفع الصوت عالياً ومر الحدث بصمت ليخلق أمراً واقعاً... حتى محاولات بعض المنظمات اليسارية تغيير هذا الواقع المرير باءت بالفشل الذريع وماتت قبل أن تولد.
سياسة الصمت والقبول بالأمر الواقع شجّعت الاحتلال واليمين الفاشي على إقامة هذه الشوارع دون أن يهتز جفن لقادة الاحتلال؛ ليقينهم أن الظاهرة الصوتية في الداخل والخارج يمكن تجازها دون كلفة.
هل هناك من يتصور أن يحدث هذا الفصل مع أي تجمع يهودي في أي مكان في العالم كأن يمنع اليهودي من استخدام طريق أو حتى التجول في منطقة ما، كيف سيكون الرد العالمي؟ كيف سيكون موقف من يصمت عن معاداة السامية؟ سترفع قضايا للتعويض وأخرى للترهيب... وربما سيقر الكونغرس الأميركي قانوناً يجرّم فيه كل من يحمل هذه الأفكار وليس من يطبقها.
الأيام المقبلة ستكشف كيف سيتصرف المجتمع الدولي وممثلوه تجاه عنصرية الاحتلال، فالبعثات الدبلوماسية الغربية ستمر من القدس إلى رام الله عبر هذا الشارع، مع أن مسؤولين دوليين كثيرين استخدموا هذا الشارع قبل تقسيمه، فما هم فاعلون اليوم؟ هل سنرى موقفاً وقراراً من البعثات والمؤسسات الدولية برفض استخدام هذا الشارع العنصري؟ وهل ستتوجه المؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى القضاء والمجتمع الدولي لإعادة الشارع إلى ما كان عليه ونفي حجج الاحتلال لأن العنصرية واضحة كشمس تموز.
افتتاح شارع الفصل العنصري جاء للتسهيل على المستوطنين وضم المستوطنات المحيطة بالقدس لاستكمال تهويد المنطقة وتنفيذ مخطط "الكانتونات" الفلسطينية، وتزامن مع الكشف عن عمليات المستوطنين الإرهابية في الضفة الغربية والقدس المحتلة التي ارتفعت في العام 2018 بنسبة 100% مقارنة بالعام 2017، فقد اعترفت مخابرات الاحتلال أن المستوطنين نفذوا 295 اعتداءً إرهابياً العام الماضي، علماً أن مئات الملفات حول جرائم المستوطنين تغلق سنوياً بذريعة عدم كفاية الأدلة!
المستوطنون الإرهابيون لا يدفعون ثمن جرائمهم، فهم محصنون تماماً كونهم يدركون أن غالبية المجتمع الإسرائيلي تصفهم بالطلائعيين وتساندهم بكل قوة، ولعل دماء الشهيدة عائشة الرابي تشهد على ذلك بعد ما أفرجت شرطة الاحتلال عن خمسة مستوطنين شاركوا في قتلها.
كيف لا يفرج عنهم والإعلام الإسرائيلي يؤكد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يرتعد عندما يتحرك المستوطنون ضده، ودليل ذلك تصريحه العنجهي قبل يومين بأن "كل فلسطيني قتل مستوطناً العام الماضي قضي عليه"، ولكن ماذا عن المستوطنين القتلة؟ هل من المسموح التصريح بأن كل مستوطن قاتل يجب تصفيته؟! يبدو هذا الطرح سريالياً... ولكن حياة الفلسطينيين أصبحت سريالية.
الحدث الثاني الأبرز خلال الأيام الماضية تمثل باقتحامات الاحتلال المتتالية لمدينتي رام الله والبيرة... فعلى مدار خمسة أيام متتالية اقتحمت آليات الاحتلال المصفحة والعشرات من جنوده معظم أحياء رام الله والبيرة وبشكل استعراضي واضح، لأهداف خبيثة ومكشوفة.
قوات الاحتلال المقتحمة تعمدت التمركز بجانب المقرات السيادية الفلسطينية، ابتداء من مقر الرئاسة في المقاطعة ومقر رئاسة الوزراء، وصولاً إلى مقرات الأجهزة الأمنية المطالبة بالإخلاء حسب الملاحق الأمنية لاتفاق أوسلو.
رسالة الاحتلال واضحة، فهي تريد كي وعي الفلسطينيين بأن السلطة الوطنية ضعيفة وهشة إضافة إلى رسائل الإذلال المتعمدة.
ربما نجحت سلطات الاحتلال في التأثير على بعض الناس، وهذا ما شاهدناه من تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تتساءل عن موقف الأجهزة الأمنية وعدم تصديها، وتطالبها بالتصدي بكل بساطة.
شبان رام الله والبيرة هم الذين ينجزون المهمة اليوم بالتصدي لجنود الاحتلال وبرفضهم القاطع أن تمر آلياته دون أن تمطر بالحجارة والزجاجات وأكياس النفايات.
قوات الاحتلال تريد جرنا إلى مربع الفوضى كما كان عليه الحال قبل عشر سنوات... فحذار أن نقع في شباك مخططاتهم، لتدمير هيبة السلطة التي دفعنا ثمن ترميمها غالياً خلال العقد الأخير.
[email protected]
أضف تعليق