بعد مرور بضعة أسابيع على انتخابات السُلطات المحلية، وانقشاع ضباب المنافسة ومظاهر البهجة والأبواق والمفرقعات- يبدو أن الرؤساء الجدد سيكتشفون أن برامجهم الانتخابية لن تتحقق بالسرعة المتوقعة، ذلك أن واقع الأحوال سيفرض نفسه عليهم، ويوقظهم من أحلامهم، وسيكتشفون أن الحكومة لن تدعمهم بالقدر الذي يتصورون، إذ لا توجد خرائط هيكلية، ولا قسائم للبناء، بينما البنى التحتية متهالكة وقد عفا عليها الزمن، ومعدلات جباية ضرائب الأرنونا متدنية، والعجز المالي هائل، والتصنيف ( التدريج) الاجتماعي- الاقتصادي متدنٍ هو أيضًا، والروابط الاجتماعية والعائلية خانقة، تؤدي إلى توظيف قوى عاملة لا تتحلى بالمهنية- وهذا أقلّ توصيف.
أزمات حمائلية
أن نوعية القوى البشرية العاملة تتسبب في تخلّف تطوير البلدات، ومن شأن أية محاولة لفصل أي موظف، كبيرًا كان أم صغيرًا- أن تؤول إلى الفشل، ذلك أن قوانين العمل، واتفاقيات العمل الجماعية، ونقابة الهستدروت والروابط والعلاقات الحمائلية- كفيلة بعرقلة وإفشال أية محاولة من هذا النوع. بل أية محاولة لنقل مربية مساعدة في روضة للأطفال من عملها من شأنها أن تُشغل نيران أزمة سياسية- اجتماعية- عشائرية في أية بلدة عربية، نتيجة لوسائل الضغط الممارسة من قبل معارف وجيران مقرّبين من رئيس السلطة وأعضاء الائتلاف.
عجز مستمر ومتراكم
هذه المشاكل تجعل من المتعذر على السُلطات المحلية العربية أن تجنّد ميزانيات حكومية، وأن تقيم مشاريع تدرّ الأرباح والمدخولات، وخاصة المشاريع المقامة بالتعاون مع القطاع الخاص. ولهذا السبب تبقى مصادر الدخل الذاتي للسلطة المحلية منحصرة في ما تتم جبايته من ضرائب الأرنونا، وهي مبالغ لا تكفي حتى لتغطية رواتب الموظفين، ناهيك عن العجز المزمن في ميزانيات أقسام الرفاه والشؤون الاجتماعية، إذ أن الوزارة تغطي 75% فقط من مجمل هذه الميزانيات. هذا بالإضافة إلى نواقص واختلالات في ميزانيات قسم الهندسة وأقسام أخرى، ومكتب رئيس السُلطة، وما إلى ذلك- وفي المحصلة: عجز مستمر ومتراكم، يشل عمل السُلطة وينتقص من الخدمات ويضرّ بمصالح ورفاه المواطنين.
التمثيل النسائي المتدني
فكيف السبيل إلى الخروج من هذه الورطة؟ والجواب هو أنه يتعين على رؤساء السُلطات المحلية العربية أن يخرجوا من دوامة النهج المتبع، والأنماط التقليدية، والمراوحة في المكان. وحذار من أن ينتظروا " عطف" الحكومة واستجابتها لمتطلبات تطوير بلداتهم، بل عليهم أن يستعينوا بمختصين وخبراء مهنيين مستقلين ووضع برامج تطوير مستقلة ذاتية، وتعزيز العلاقات مع القطاع الخاص، وإقامة مشاريع تدرّ أرباحًا، وممارسة الضغط الكثيف والحازم والممنهج على الوزارات والدوائر الحكومية من أجل انجاز البرامج والمشاريع.
وبالإضافة إلى ما تقدّم- تجدر الإشارة إلى الحقيقة المرّة الممتثلة بتدنّي وهزال التمثيل النسائي في مواقع اتخاذ القرار في السُلطات المحلية العربية. وبناء على ذلك، حسنًا يفعل رؤساء السُلطات الجدد إذا ما سعوا إلى تغيير هذا الواقع، بضخ دم جديد من الجنس الآخر- ليس فقط من أجل التعددية الفكرية. وتكتسب هذه الفكرة أهمية خاصة على ضوء حقيقة كون نسبة التصويت في الانتخابات المحلية الأخيرة في المجتمع العربي قد بلغت 85%، وذلك بفضل تصاعد ونماء الوعي في أوساط النساء والشباب.
الاستراتيجية الوحيدة
وفي الختام، يجدر تنبيه رؤساء السُلطات العربية إلى أهمية فهم مبدأ الحاجة إلى التحديث المتواصل، كاستراتيجية وحيدة للثبات والصمود والبقاء. وينطبق هذا المفهوم الحكيم على الحكم المحلي عمومًا، وينطبق أضعافًا مضاعفة على السُلطات المحلية العربية- على الأخصّ، ذلك أن تطبيقه كفيل بتجنيب رؤساء هذه السُلطات الوقوع في " مصيدة العسل" التي تعترض طريقهم. ويتعين عليهم أن يتذكروا جيدًا أنهم ما لم يحققوا توقعات ناخبيهم المتيقظين الواعين- فإن مدة إشغالهم لمناصبهم محدودة الضّمان!
( ترجمة: غسان بصول ( عن " ذا ماركر")
[email protected]
أضف تعليق