ماذا تَبقَّى للرئيس عبّاس مِن مُؤسَّساتٍ “غير شرعيّة” يُقْدِم على حَلِّها؟ وهل يَحِلُّ نَفسه؟ وهَل سيَكون مَجلِسه التَّشريعيّ الجَديد نُسخَةً “مُشَوَّهةً” عَن السَّابِق تُكَرِّس انْفِصال الضِّفّة عَن القِطاع؟ وهَل تَفرَّغت سُلطته للحَرب على “حماس” وقِطاع غزّة وليسَ الاحتِلال؟
عبد الباري عطوان
الرئيس محمود عبّاس أقدَم على خُطوةِ حَل المجلس التشريعيّ المُنتَهيةِ صلاحيّته، وقبْلها جَمَّد عمل المجلس الوطنيّ الفِلسطينيّ، وشكَّل مجلس مركزيّ على مَقاس سُلطته، وأعطاه كُل الصلاحيّات، ودَعا إلى انتخاباتٍ تشريعيّةٍ في غُضونِ ستَّة أشهُر، ولم يقُل ما إذا كانَت ستَشمل قِطاع غزّة أمْ لا.. طيّب ما هِي خُطوة الرئيس عبّاس المُقبِلة، وهَل بقِيَ هُناك أيّ شَيء يُمكِن أن يحِلّه؟
المجلس المركزيّ الذي اختارَه اعتَمد قَرارًا بسَحبِ الاعتِراف بإسرائيل، ووقف التَّنسيق الأمنِيّ، والتَّنَصُّلِ مِن كُل الاتِّفاقات المُوقَّعة، وعلى رأسِها اتِّفاقات أوسلو، لا جديد، ولا تَنفيذ على الإطلاق، فقَط تِكرار الوُعود والبَحث عَن أعذارٍ.
يوم الثلاثاء المُقبِل تَهِلُّ عَلينا الذِّكْرى 53 لانْطِلاقَة حركة التحرير الوطنيّ الفِلسطينيٍ “فتح”، ومِن المُفتَرض أن يُلقِي الرئيس عبّاس كلمة بمُناسَبة إطلاق الرَّصاصة الأُولى، فمَاذا سيَقول؟ وما هو البَرنامج الذي سيَتحدَّث عَنه؟ وهل سيُكَرِّر خِطاباته السَّابِقَة في الحَديث عَن عُضويّة فِلسطين في الأُمم المتحدة ومُنظَّماتِها الدوليّة؟
***
قوّات الأمن الإسرائيليّة تَقتُل الفِلسطينيين يوميًّا، وتَقتحِم مَقرّ وِكالَة الأنباء الفِلسطينيّة التي تقع على بُعد مِئتيّ مِتر مِن منزل الرئيس عبّاس في رام الله، وتَعتقِل كوادِرها، وتَعبَث بأوراقِها في إهانةٍ جَديدةٍ للسُّلطة ورئيسها وحركة “فتح” التي تُشَكِّل عمودها الفِقريّ، فكَيف سيَكون رد السيد الرئيس وقادَة قوّاته الأمنيّة على هَذهِ الإهانات؟ وهل باتَت مُهِمَّة هَذهِ القُوّات الإضافيّة منع رئيس المجلس التشريعيّ “المُنْحَل” مِن عقْدِ مؤتمر صحافي للتَّعبير عَن رأيِه في سُلطَةٍ تقول أنّها تَسْعَى لبِناء مُؤسَّسات دِيمقراطيّة؟
حَل المجلس التشريعيّ ليس له أيّ قيمة دستوريّة، والمجلس البَديل الذي مِن المُقرَّر انتخابه في انتخابات حتّى لو كانَت في قمّة النَّزاهة، سيَكون نُسخَةً مُشَوَّهةً للمجلس المركزيّ الجَديد، وكُل مُؤسَّسات اللَّون الواحِد التي يُشكّلها رئيس السلطة الواحِدة تِلو الأُخرَى، ولا أي تمثيل حقيقيّ للشعب الفِلسطينيّ في الضفّة الغربيّة، ناهِيك عَن دُوَل الشَّتات، فهَل الهَدف هو قطع كُل العُلاقات مَع حركة “حماس” وإرْثِها الانتِخابيّ، وتَكريس الفَصل بين الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة، وتَقويض منظمة التحرير، أو ما تَبَقَّى مِنها، مَن الدَّاخِل وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكِنٍ؟
يَصعُب علينا أن نَعرَف ماذا يُريد الرئيس عبّاس، ونتحَدَّى أن يكون هُناك مَن يستطيع إبلاغنا بمشاريعه المُقبِلة، غير التي ذكرناها آنِفًا، ونحن على أبواب عامٍ جديد قد تتغيّر فيه كُل المُعادَلات العربيّة، بالنَّظرِ إلى تَعافِي سورية، وهَزيمَة المَشروع الأمريكيّ في المِنطَقة، وانتِصار محور المُقاومة الذي تُشَكِّل الحَركات الفَلسطينيّة بزَعامَة حماس جُزْءًا أصِيلًا فِيه.
الرئيس عبّاس يُقاطِع الأمريكيين، ويَرفُض أيّ حِوار معهم إلا إذا تراجعوا عَن قرار نقل السفارة إلى القدس المحتلة، وهذا جميل، ولكنّه لا يُقاطِع الإسرائيليين مُحتَلِّي الأرض ويُمارِسون أبشَع أنواع التَّمييز العُنصريّ ضِد الشَّعب الفِلسطينيّ، فهَل يتَطوَّع أحَد المُقرَّبين مِن الرئيس عبّاس ويُفَسِّر لنا هذا المَوقِف المُتَناقِض؟
الرئيس عبّاس، مِثلَما يبدو مِن مُبادراته حَريصٌ على الشرعيّة، فهَل يجوز لَنا تذكيره بأنّ صلاحيّاته جَميعها قد انتهَت مُنذ عام 2009، وأبْرزها رئاسَته للسُّلطة، ولمنظمة التحرير التي لمْ تَعُد تُمَثِّل مُختَلفَ ألوانِ الطَّيف الفِلسطينيّ؟
لُعبَة الانتِظار التي مِن الواضِح أنّ الرئيس عبّاس يُجيدها، يُمارِسها حاليًّا ويَجِد مَن يدعمه فيها مِن المَجموعة الصَّغيرة المُحيطةِ بِه، تَأكُل مِن الرَّصيد الوطنيّ الفِلسطينيّ، وتَصُب في خانَة الاحتِلال، ورُبّما تنْتَهِي بنِهايةٍ مُهينةٍ ومُذِلَّة له وللشَّعب الفِلسطينيّ، وحركة “فتح” التي يتزعّمها، وهذا أمْرٌ مُؤلِمٌ بالنِّسبةِ إليْنَا ولا نَتَمنَّاه.
حركة “حماس″، التي تتقدَّم حربه عليها على حَربِه ضِد الإسرائيليين، ومعَها مُعظَم أبناء قِطاع غزّة، وكُل الفصائل الأُخرى التي تَخْتلِف معه، تُكَرِّس شرعيّتها بالمُقاوَمة والصَّواريخ، ومَسيرات العَودة التي أجْبَرت بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى استَجداءِ لوقف إطلاق النّار في حرب الـ48 ساعة الأخيرة على قِطاع غزّة، فمَا هي الشرعيّة التي يَسْتَنِد إليها الرئيس عبّاس في الوَقتِ الراهن، أفيدونا أفادَكم الله، ومِن المُفارَقة أنّها شَرعيّة فُوَّهَة البُندقيّة التي أوصَلَت الرئيس عبّاس وحركة “فتح” إلى قمّة التَّمثيل الفِلسطينيّ، وإعادته وسُلطَته إلى رامَ الله.
***
جميع فصائِل منظمة التحرير الفِلسطينيّة الفاعِلَة ذات التَّمثيل الحقيقيّ على الأرض باتَت خارِج مُؤسَّسات والهَياكِل التي يسْتَمِد الرئيس عبّاس “شرعيّته” وقِيادَته مِنها، مِثل الجبهات الشعبيّة والديمقراطيّة، والقِيادَة العامّة، عَلاوةً على حركات “حماس″، و”الجِهاد الإسلاميّ”، والمُقاومة الشعبيّة، ومُعظَم المُسْتَقِلِّين، إنْ لم يَكُن كُلهم، فمَن تُمَثِّل سُلطة الرئيس عبّاس، ومَن يُقَدِّم لهُ الدَّعم؟
أليْسَ مِن المُؤلِم أنْ يكون أكثَر ما يُقْلِق نِتنياهو ودَولته العُنصريّة هَذهِ الأيّام هو إيران، وحِزب الله، وسورية، وفصائِل المُقاومة العِراقيّة، وحَركات المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة، بينَما لا تُشَكِّل منظمة التحرير التي يَقودها الرئيس عبّاس أيّ خَطر حقيقي عليه؟ بَل ويُوَظِّفها، وقُوّاتها الأمنيّة، لحِمايَة المُستَوطنين وأعمال التَّهويد للمُقَدَّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في العاصِمَة المُقدَّسة؟
لا نَنْتَظِر أيّ مُفاجَآت سارّة مِن الرئيس عبّاس بمُناسَبة العام الجَديد، ولكنّنا نَنْتَظِرها حَتْمًا مِن الشَّعب الفِلسطينيّ في الضفّة والقِطاع، وأذْرُعِه المُقاوِمَة وهِي مُفاجآت ستُزَلزِل الاحتِلال، وستَسْتهدِف مُستَوطِنيه، وتَجْعَل مِن وُجودِهم واحتِلالِهم أمْرًا مُكْلِفًا.. والأيّام بَيْنَنَا.
[email protected]
أضف تعليق