المتنبّي، لا تدّخر جهدًا ولا تترك سبيلًا له أن يعكس حقيقةَ فلسفتها التربويّة-التعليميّة، القائمة على وضع الطالب/الإنسان في المركز وذلك لبلورة طالب مبدع، خلّاق، مفكّر، مُتقبّل للآخر ومستنير. تتويجًا لذلك، قامت المتنبّي ومنذ العام الماضي باستبدال منهاج تدريس الدين الإسلاميّ والمسيحيّ بمنهاج تدريسيّ آخر بديل، تحت مسمّى:" الحضارة العربيّة: تراث وأديان"، وذلك بالاعتماد على وسائل وآليات تدريس حديثة وغير تقليديّة، تجمع بين النظريّ والعمليّ-التطبيقيّ والتماهي مع الواقع المعاش. يدرس الطلّاب معًا نصوصًا من القرآن الكريم والإنجيل المقدّس كما ويتناول الطلّاب مواضيع متنوّعة ومختلفة مثل: نشأة العرب وموطنهم الأصليّ، التعدديّة الحضاريّة في بلاد الشام والعراق، حضارة بابل العريقة، لغز عشتار، أزمة اللغة العربيّة في بلادنا ومأزق الهوّيّة، اللغة والجندر، الانتخابات للسلطات المحلّيّة في بلادنا وعمّليّة التحوّل الديمقراطيّ مقابل التفكير القَبَليّ، حيفا التراث والتاريخ من خلال جولات ميدانيّة، التعدديّة الثقافيّة والدينيّة في نفس الحيّز المكانيّ المشترك.
ضمن تدريس هذا المنهاج قرّرت مجموعة طلّاب من الصفّ الحادي عشر إجراء بحث ميدانيّ-تجريبيّ عن احتفالات عيد الأعياد في المدينة، ليترافق الطلّاب: مايا كنمات، ميرنا شهاب وأحمد إغباريّة من الصفّ الحادي عشر مع معلّمة الموضوع رقيّة عدوي في جولة ميدانيّة خلال المسيرة الاحتفاليّة. في حديث مع رقيّة عدوي عن تجربتها بمرافقة طلّابها قالت:" كان وصولي لمكان الاحتفال صعبًا نتيجةً للازدحام المروريّ الخانق الذي شهِدته المدينة يومَها، ولمّا وصلت المكان واطلعت على ما أنجزه الطلّاب قبل وصولي أصابَ منّي الدهشة والسرور، فقد استطاع الطلّاب بحنكة وذكاء التقاط الرموز الدينيّة والحضاريّة المختلفة، الانتباه لتفاصيل جدًا دقيقة تتلازَم مع الزينة في المكان واللباس الفلكلوريّ المتنوّع، علاقة الطقوس بالأساطير والروايات المختلفة وكلّها أمور تطرّقنا لها وتحدّثنا عنها سابقًا بشكل نظريّ. أعتقد بأنّه حان الوقت لتحرير الفكر من قوالبه الجافّة والمرسومة له مسبقًا في المدارس، وذلك بإتاحة الفرص أمام الطلّاب وخوض التجارب الميدانيّة، قراءة المقالات وتحليل النصوص الدينيّة والأدبيّة. أعتقد كذلك بأنّ العلم كله موجود خارج جدران وأسوار المدارس، فويلٌ لأمّة أعلى أسوارها لمدارسها، وهذا ما تدأب المتنبّي على انتهاجه وتذويته من خلال هذا المنهاج المُغاير والنهج الذي لا يميّز إلّا المتنبّي".
عبّر الطلّاب بدورهم عن سعادتهم الغامرة بالترافق في المسيرة، التماهي مع طقوسها المختلفة ومحاكاة التنوّع الحضاريّ-الثقافيّ-الدينيّ المتلازم لمدينتهم حيفا. عن ذلك تحدّثت الطالبة مايا كنمات فقالت:" نحن نعيش في مدينة حيفا المختلطة والتي تمتاز بالتعدديّة الثقافيّة والدينيّة لذلك من المهمّ أن ندرس ثقافة الآخر وحضارته وذلك في سبيل التواصل السليم معه وتقبّل الآخر وحقّه في الاختلاف عنّا، مدرسة المتنبّي منحتنا هذه الفرصة على طبق من ذهب من خلال دراسة الحضارات والديانات المختلفة". يُذكر كذلك بأنّ قناة مساواة انفردت بتقرير اخباريّ مميّز ضمن نشرتها الإخباريّة، فيه عرضت المنهاج وطرق التدريس مع إجراء مقابلات مع معلّمة الموضوع والطلّاب.
هذا واختتمت المتنبّي، كسائر مدارس البلاد، فصلها الدراسيّ الأوّل، الأسبوع المنصرم. كان فصلًا حافلًا بالنشاطات والمشاريع المختلفة، آخرها سوق العطاء المتزامن مع عيد الميلاد المجيد، محاضرات توعويّة وورشات عمل تناولت مواضع مختلفة: التربية الجنسيّة، مكافحة السموم والمخدّرات، التوجيه المهنيّ، الاتاحة وحقوق أصحاب الاحتياجات الخاصّة، ورشة تطوعيّة لرفاهيّة نزلاء بيت المسنّ، مكافحة حوادث الطرق من خلال تدشين معرض للإشارات والقوانين ومحاضرات توعويّة وتفعيل برنامج سينما درايف، الاحتفال بيوم المعلّم، الاحتفال بذكرى المولد النبويّ، تبنّي مساق التربية الماليّة وبرنامج لكتابة القصص والتجارب الذاتيّة، ورشة ديكوباج على الشموع والصابون، شراكة مع القنصليّة الفرنسيّة وزيارة معرض الجامعات الفرنسيّة، الاشتراك في برنامج المواهب، تدشين معرض التداخل الاجتماعيّ، بالإضافة لفعاليّات رياضيّة مختلفة وسباقات قطريّة وتنظيم دوريّ رياضيّ لكرة القدم.
كلّ عامٍ وأنتم بخير... معًا بسعادة، فكر، أعياد، مواسم، تعاون وأمل نكتب حكاية المتنبّي... "من يكتب حكايته يَرِثُ أرض الكلام ويملك المعنى تمامًا"...
[email protected]
أضف تعليق