أخ أبو نبيل.. وداعا
(في رثاء المرحوم سهيل أرملي، ناشط كشفي واجتماعي شفاعمري، توفي يوم 5/12/2018)
زياد شليوط
كنت ولدا صغيرا أو شبلا بلغة الكشاف، حين انتسبت لسرية كشافة "ازدهار النهضة" في شفاعمرو، وحين دخلت المقر المتواضع مع أحد اخوتي، استقبلني الأخ أبو نبيل، سهيل أرملي معلم السرية. ومنذ ذلك اليوم وعلى مدى نصف قرن من الزمان ربطتني علاقة مميزة مع "الأخ أبو نبيل"، الذي أصر على مناداتي كلما التقينا " أخ زياد" وهو النداء الكشفي المحبب الى قلبه، الذي من خلاله يطبق أحد مبادئ الكشاف الأساسية "الكشاف أخ لكل كشاف".
أبو نبيل هو أحد الأشخاص الذين ما نسيتهم ولم يكن بالإمكان أن أنساه. فشخصيته انطبعت في ذاكرتي منذ أن استقبلني في الكشاف، بكل رفق وأخوة ومحبة، ومع أنه سلمني لرئيس رهط الأشبال الا أنه استمر يهتم بي ودائما يلقاني بكل مودة ورعاية أبوية. وقضيت سنوات معه رغم أنها قليلة، الا أنها كانت عريضة وغنية بما حملته من عمل اجتماعي وروح إنسانية. كان أبو نبيل على رأس العاملين الكشفيين في تنظيف الأرض وازالة القبور ونقل رفات الموتى إلى المقبرة الجديدة، حيث تم منح الكشاف أرض المقبرة القديمة (حيث يوجد مقر الكشاف اليوم) بالقرب من باب الدير. وبعد تنظيف المقبرة واعداد أرضها بوشر بصب الباطون وتجهيز مبنى من الخشب تحول الى مقر للسرية. لقد بذل أبو نبيل ومعه فريق من العاملين الكشفيين المخلصين والمثابرين، أياما وليال وشهورا، كي يوفر مقرا وبيتا للفتيان والشباب ليجدوا مأوى لهم في وقت لم تتوفر في النوادي والقاعات.
استمر العمل والنشاط والمشاركة في المخيمات الصيفية والاحتفالات في المناسبات المختلفة وممارسة الهوايات وخاصة الرياضية منها في مقر الكشاف، الى أن تم توحيد السرايا الكشفية وأنهى أبو نبيل دورة رئاسته ليسلمها لغيره، وبدوري أنهيت عضويتي في الكشاف، لكن بقيت علاقتي بأبي نبيل قائمة على المحبة والاحترام، كيف لا وقد استمر يناديني " أخ زياد" كلما التقاني أو تحدثت اليه هاتفيا، منتهى التعامل الإنساني الراقي الذي لا يوصف. وكلما كبرنا كبرت صداقتنا، وكبر احترامي وتقديري له، وظلت تلك الصداقة على حالها إلى أن توقفت مع توقف النبض عند " أخ أبو نبيل" فشعرت بأني فقدت جزءا من كياني، وأني أودع مرحلة تاريخية ومشهدا إنسانيا نادرا من حياتي.
سنوات من العلاقة المتينة لم يشبها أي شائبة، رغم ابتعاد أبو نبيل عن العمل الجماهيري إلا أنه بقي مسكونا فيه، ظل يتردد على بيت الكشاف مع أترابه من الكبار والمتقاعدين، ظل مسكونا بهاجس مجتمعه ومستقبله، ولا أنسى في أيام المحن والقلق حين كان يهاتفني طالبا مني الحضور اليه، ولم أتأخر أو أتردد في تلبية دعوته أو طلبه، وجلّ ما كان يريده هو الاستقرار والوحدة والنظام، فكان يبث مخاوفه أمامي ويعبر عن قلقه، ونتبادل الرأي والمشورة، وكم كانت تزعجه بعض المظاهر التي يراها في سلوكيات طلاب المدرسة الثانوية المجاورة لبيته، حيث كان يتفهم أن الجيل الجديد له عالمه ورؤاه، لكنه وبصفته انسانا كشفيا، نشأ على مبادئ الكشاف ونظامه الصارم، كان من الصعب عليه أن يتقبل كل جديد وتحرر وانطلاق، حيث ساورته المخاوف على مستقبل الأجيال، ومن هذا المنطلق كانت له مواقف وانتقادات.
برحيل "أخ أبو نبيل"، فقدت أخا مرشدا ومعلما صادقا وانسانا مستقيما، ستبقى ذكراه ذخرا لي، فلا عجب أن أردد مع شاعرنا الفلسطيني حنا إبراهيم (أطال الله في عمره):
وستبقى ذكراك ذخري وكنزي ودليلي إذا أضعت دليلي
وأخيرا أدعو وأصلي (للأخ أبو نبيل) بأن تكون الراحة الأبدية من نصيبه والنور الدائم فليضىء له، وليدم ذكر أخ لم تلده أمي وأب لم تلده جدتي، إلى الأبد.
[email protected]
أضف تعليق