ليس من المتوقع حدوث تغيير حقيقي في الدعم التقليدي الإسرائيلي بنتائج الانتخابات للتجديد النصفي للكونغرس في الولايات المتحدة مؤخراً، يعود ذلك لعاملين أساسيين: الأول، ان العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية، باتت مسألة «داخلية» أميركية، بمعنى أن هذه العلاقة الدائمة والمتصلة عبر الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ظلت في إطار العلاقات الاستراتيجية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، أما العامل الثاني، فيتعلق في أن كلا الحزبين يتنافسان على إظهار مدى الدعم الدائم والشامل للدولة العبرية، ولا توجد اختلافات جوهرية بينهما على هذا الصعيد، مع أن هناك بعض الخلافات والتباينات التفصيلية هنا وهناك، رغم بروز اعتراضات ديمقراطية على «صفقة القرن» الترامبية لجهة عدم تبنيها لسياسة «حل الدولتين».
مع ذلك، هناك قلق متزايد لدى إسرائيل من التحولات المحتملة إثر فوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب، يعود ذلك إلى الخشية من أن الانقسام بين المجلسين في الكونغرس من الممكن أن يمتد أحياناً ليشمل الرؤية السياسية تجاه إسرائيل، علماً أن نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة عبر التجارب السابقة، مع مثل هذا الانقسام لم تؤدِ إلى أي تغيير ذي مغزى على السياسة الخارجية الأميركية، ولذلك فإن السياسة الأميركية حول ملف الصراع الإسرائيلي ـ العربي عموماً، والفلسطيني على وجه الخصوص، لن تشهد أي تغيير جدي، خاصة وأن الرئيس ترامب، حتى بعد هذه النتائج سيواصل سياسته التقليدية إزاء الملف الإيراني، وهو الملف الموازي تماماً للعلاقات والتأثيرات الإسرائيلية.
ومما يخفف من مشاعر القلق الإسرائيلي، أن معظم الفائزين الجدد، كما السابقين، في مجلس النواب هم من أصدقاء إسرائيل التقليديين، ومن المحتمل على نطاق واسع، أن يترأس هؤلاء رئاسة اللجان الأساسية في المجلس، بينما سيترأس اللجان المهتمة بالشأن الداخلي الأميركي، بعض الشبان الجدد، الذين لا يؤيدون إسرائيل في الغالب! وفي كل الأحوال، فإن تأثيرات مجلس النواب على السياسة الخارجية الأميركية محدودة للغاية.
إلاّ أن الإحصاءات غير الرسمية مدعاة لقلق جدي من قبل إسرائيل، فمع أن 79 في المئة من يهود أميركا صوّتوا لصالح الحزب الديمقراطي، إلاّ ان جماعة الضغط اليهودية «جي ستريت» باتت منافساً قوياً للوبي الصهيوني «ايباك»، خاصة بعد أن حققت إنجازاً هاماً في الانتخابات الأخيرة، بفوز 120 مرشحاً مدعوماً من قبلها في مجلس النواب، ما يشير إلى أنها باتت تسيطر على نصف النواب في الكونغرس تقريباً حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وما يجعل خشية إسرائيل مبررة من هذه النتائج، ما أفادت به استطلاعات الرأي التي رافقت الانتخابات الأخيرة، من أن هناك تزايداً في إقبال الجيل الشاب على صناديق الانتخابات أكثر من الانتخابات السابقة وكلا المجلسين، وأن عدد من يحق لهم الانتخاب لبلوغهم السن القانونية سيرتفع عند إجراء الانتخابات الرئاسية والكونغرس بعد عامين، بـ 22 مليون ناخب، ما يشير إلى احتمال واضح بخسارة إسرائيل لعدد كبير من مؤيديها في المجلسين، خاصة وأن المرشحين لمجلس النواب يعتمدون على الدعم المادي اليهودي في حملاتهم الانتخابية، بل يعتمدون ايضا على التبرعات الفردية الصغيرة، وهم في الغالب أقرب إلى الأفكار اليسارية ولا يميلون لصالح إسرائيل.
مع ذلك، فإسرائيل مطمئنة رغم بعض القلق، فالحزب الديمقراطي كان ولا يزال أكثر دعماً لإسرائيل، وفي كثير من الأحيان فاق هذا الدعم ما قدمه الحزب الجمهوري، فرغم الخلافات الجوهرية أحياناً مع سياسة الرئيس السابق أوباما، إلاّ أن هذا الأخير زاد من مبالغ الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، وسلحها بطائرات «اف ـ 35» الأكثر تقدماً في العالم، وقد يعارض الحزب الديمقراطي السياسة الإسرائيلية لأسباب أخلاقية، إلاّ أن ذلك لا يغير الكثير في مجال السياسة المنهجية الداعم لإسرائيل. زعيمة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، محافظة ومعتدلة، ولن تقوم بأي إشارة يفهم منها تراجع الحزب الديمقراطي عن دعم إسرائيل، ولها القدرة والفاعلية للجم «المشاغبين» الذين من الممكن أن يشوشوا على نهجها، حتى مع فوز أعداد أكبر من الشباب والمرأة، والعرب والمسلمين، في مجلس النواب!
[email protected]
أضف تعليق