رحلت عنا بشكل مفاجئ وفي مكان وزمان غير متوقعان, في جزر الكناري وأثناء رحلة سياحية, رفيقتنا المناضلة والمربية والمعلمة والنقابية المغوارة لميس عبدو, ابنة الجليل وبلد الشعراء البقيعة الحبيبة, تاركة في قلبنا حسرة كبيرة ولوعة حارقة.
هذه الرفيقة الراحلة بهذا التوقيت والزمان والظروف, أبلت أحسن البلاء وأقواه في تعليم الأجيال المتعاقبة في بلدها البقيعة , حيث عملت كمربية ومًدرِّسة ومعلمة في آنٍ واحد, خلال فترة عملها الطويلة هذه اكتسبت مكانة " المعلمة لميس" – والى ال- قدوة الوطنية الرفيعة المستوى وعالية التقدير والنشاط, مما جعلها عنوان لثقة الآلاف من هؤلاء الطلاب ومن زملائها ومن عرفها أو سمع فيها أو عنها, وهم كثيرون جداً , وحبهم الثابت والدائم الخًضرة والطراوة لها, تجلى بشكل جليّ وعفوي في تعاملهم الحاضن والدافئ واللطيف لها ومعها, أينما وًجِدت وفي كل فرصة ومناسبة, مما يشير ويؤكد على مدى تفانيها في أداء رسالة التدريس المًقدسة والشريفة, والتي مارستها بقناعة ومسؤولية وبشرف وقدسية محفوظة, وكماركة مًسجلة على أمثال فقيدتنا الراحلة الغالية.
لم يقتصر تواجد وحضور الرفيقة لميس على عطائها الخيِّر في مجال عملها هذا فقط, وإنما تعداه نحو الكثير من النشاطات والعطاء اللامتناهي في مجالات عِدة, اذ كانت نقابية نشيطة ومتوقدة وعالية الهمة, ان كان في نقابة المعلمين أو منظمة نعمات الهستدروتية وغيرها من المواقع والمجالات, اذ ترأست كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في فرع نعمات - مجلس عمال "مركز الجليل" ( اليوم لواء مركز الجليل) لفترة طويلة, ووقفت لجانبنا في إدارة الكتلة في مجلس العمال هذا, وباقي هذا النشاط الاجتماعي-السياسي الهام من مهماتنا الرفاقية, ومن الأمور الخارقة للذهن والمشاعر والذاكرة حدثت في احدى الجولات الانتخابية لنقابة المعلمين لفرع نهاريا, والتي ادارتها هي بجدارة وتميًز وحماس لميسي كان ماركة مُسجلة لها, اذ حصلنا في بلدي يانوح بسعيها ومساعدة اخيها طيب الذكر الأستاذ المرحوم فارس عبدو, الذي كان يعمل كمدرس في مدرسة يانوح الابتدائية, على 23 صوت من أصل 24 صوتوا حينها, أمر خارق ومُذهل .. في حينه وحتى اليوم , وهذه عينة من الكثير الكثير من التفاصيل من رصيد وسِجِل هذه الراحلة الهامة.
فقيدتنا المتفانية لميس شاركت في معظم نضالات حزبنا الشيوعي وجبهتنا ومؤسسات شعبنا, وكان لها دور المبادرة والقائدة, ولم تثنيها المضايقات التي لا تحصى عدداً وشكلاً وايلاماً, والتي تعرضت لها نتيجة لهذا النشاط, ان كان في النضالات المطلبية مثل يوم الأرض أو نحو المساواة المنشودة أو ضد العنصرية أو النشاط اليهودي-العربي الداعم لقضايا شعبنا ولقناعاتنا الطبقية أو غيرها, أو الاحتفالات في أول أيار أو لجريدة الاتحاد أو غيرها من المناسبات الكثيرة العدد والعناوين, والتي تُعد بالآلاف, كنت تراها في الطليعة ومع البسمة الدائمة على المحيا , والإصرار الثابت نحو بوصلة النضال, الوطني والطبقي, المتكاملين وبوعي ومسؤولية وقناعة راسخة , رسوخ جبال جليلنا\جليلها التي أحبته حتى الثمالة. لم تثنيها عن هذا النشاط والفِعِل لا الظروف الداخلية الصعبة التي مر بها الحزب عامة وفرع البقيعة خاصة, ولا ظلم المؤسسات ولا ظلم ذوي القربى, بقيت حتى لحظة فراقها الأليم هذا "المُعلمة والمناضلة "– المعلمة لميس.
مع هذه التفاصيل والصفات والمكانة نودعك رفيقتنا الراحلة لميس ونعزي ذويك وبلدك وأنفسنا, ونحني هاماتنا امام سِجِلك النضالي الحافل والزاخر هذا .. وغيره مما لا مكان لذكره هنا, ووعد منا نحن من أعزوك وسيبقون, ذكراك وسِجِلك وانت, ستبقون في ذاكرتنا خاصة, وذاكرة هذا الشعب عامة, التواق الى بقائه على أرض وطنه الذي لا وطن لنا سواه , مُكرماً معززاً, وكما أردت وعملتي بالضبط. وليس مهدداً بقوانين وممارسات عنصرية وفاشية وتهجير منه, وكما رفضتي وعملتي بالضبط.
وداعاً يا حبيبة الشعب والرفاق والأهل.
( كاتب المقال رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية)
[email protected]
أضف تعليق