أُحاول أن أتحرّى عن حقيقة المفاوضات والمباحثات التي تجري في القاهرة، بين الوفود الفلسطينية فيما بينها، وبين هؤلاء والوسيط الشريك المصري، كل ما حصلت عليه لا يتعدّى بالمجمل فقرة واحدة، مع أن الحديث مطوّل ملوّن ومزوّد بالكثير من الشعارات، ملخص ما توصلت إليه من قبل قيادات هذه الوفود ووسائل الإعلام الفلسطينية الآتي: «نقترب من التوصل إلى هدنة، سنتواصل بعد عيد الأضحى، المفاوضات تجري للعودة إلى اتفاق التهدئة والهدنة إثر الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة عام 2014» مع «نتف» من الأخبار بدون مرجعية واضحة تتحدث عن «مسؤول رفض الإفصاح عن هويته».
بمراجعة وسائل الإعلام الإسرائيلية، توصلت إلى سيل هائل من المعلومات والأخبار والشائعات، تفصل بنود الاتفاقات حول التهدئة، كما حول الهدنة، توضح الخلافات كما توضح المواقف، ترسم السيناريوهات وتحدد البرامج الزمنية، تنقل عن «الكابينيت»، كما تنقل عن قيادات سياسية وأمنية بالاسم والموقع، تنشر خرائط ووثائق تتعلق بالممر المائي من قبرص إلى غزة، وتوضح كيفية السيطرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما لا يفوت القيادات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، كما وسائل الإعلام هناك، دس الأخبار المتعلقة بموقف القيادة الفلسطينية من كل ما يجري، ناقلة عن مسؤولين فلسطينيين، بدون اسم هذه المرة، عدة أخبار من شأنها زعزعة الثقة بالقيادة الفلسطينية.
إلاّ أن الأهم من كل ذلك، تصريح أحد المسؤولين الفلسطينيين بأن معظم ما ينشر حول ما يجري من مباحثات في القاهرة «غير دقيق» مكتفياً بذلك، مع أن عدم دقة ما ينشر «يستدعي، نشراً دقيقاً لكل ما يجري في هذه المفاوضات، فاذا كان كل ما ينشر غير دقيق، أين هي المعلومات الدقيقة إذن؟ ولماذا لا يتم تزويد الرأي العام الفلسطيني ووسائل الإعلام الفلسطينية، بما هو دقيق وحقيقي فيما يجري من مباحثات في العاصمة المصرية؟!
حقيقة واحدة، دقيقة ومؤكدة، تمكنت من التوصل إليها عبر «النتف» الإخبارية الصادرة عن القيادات الفلسطينية في القاهرة، مقترنة بالمواقف المعلنة من قبل القيادات الأمنية والسياسية الإسرائيلية عبر وسائل إعلام الاحتلال تتلخص في جملة واحدة: بدون القيادة الرسمية الشرعية الفلسطينية، لن يكتب النجاح لأي اتفاق، كافة الأطراف: المصرية والإقليمية والدولية، بما فيها الإدارة الأميركية، تضغط باتجاه الشريك الشرعي الفلسطيني ليأخذ دوره، هذا الشريك ما زال متمترساً وراء موقفه بالتصدي لصفقة القرن، معتبراً أن أي حل لفصل قطاع غزة، إنما هو بوابة لهذه الصفقة، وهذا ما يفسر موقفه إزاء كل ما يجري!
العودة إلى هدنة 2014، كان بتوافق فلسطيني ورعاية مصرية، لذلك فإن المباحثات ستقتصر على تمهيد الطريق للعودة إلى هذه الهدنة التي استمرت لأربع سنوات، فيما خرقتها قوات الاحتلال أكثر من مرة، عن هذه الهدنة والعودة إليها كتب أحد المحللين الإسرائيليين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنها مجرد: «بضاعة مستردة» أي أن الأمر يتعلق بالعودة إلى الوضع السائد قبل خمسة شهور، أي قبل انطلاق مسيرات العودة. إسرائيل ترجمت ذلك «بهدوء مقابل هدوء»!
الترابط المفترض بين المباحثات حول التهدئة، والجهد المتواصل نحو إنهاء الانقسام، بات مفقوداً في ضوء التركيز الشديد على الملف الأول، مع أن هذا الملف لا يمكن له أن يتحقق من الناحية العملية إلاّ بعد تجاوز عقبات الملف الثاني، ما يوحي بأن فصل غزة عن السلطة، له الأولوية على وصلها معها، وهو ما تنشده صفقة القرن، التي تراجعت، لتجد في هذا الفصل بوابة لتسترد دورها في تصفية القضية الوطنية الفلسطينية.
[email protected]
أضف تعليق