استدعت الحكومة الإسرائيلية، أول من أمس، سفير الاتحاد الأوروبي، وجرّحته بحجة الضغط الذي يمارسه الاتحاد، لعدم تمرير مشروع قانون القومية بقراءتيه الثانية والثالثة يوم الإثنين المقبل.
مشروع قانون القومية الإسرائيلي أثار جدلاً كبيراً منذ طرحه قبل سنوات؛ لأنه يؤسس لعنصرية فريدة غير مسبوقة في العالم، فهو يميز بين مواطن وآخر، ولا فرق كبيراً بينه وبين مفهوم نقاوة العرق الذي تبنته النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، وأدى في حينه إلى حرب عالمية أزهقت في طريقها عشرات ملايين الأرواح وخلّفت إرثاً ثقيلاً ما زال العالم مرعوباً من تكراره.
يعتبر مقدمو مشروع القانون في الأساس أن على هذه الأرض قوميتين، هما اليهود والعرب، وأن اليهود هم أصحاب الحقوق والأرض، وأن الآخرين مجرد مجموعة من المقيمين الذي لا حق لهم فيها، سوى أنه لا توجد ربما وسيلة أخرى للتخلص منهم، لذلك لا بد من التعايش معهم، ولكن ليس كعنصر أساس في هذه الدولة، بل كعنصر هامشي، وبالتالي يجب أن تكون هناك مسافة بين العرب واليهود في مختلف مناحي الحياة.
من أهم المبادئ التي قام على أساسها مشروع القانون هو أن «دولة إسرائيل» هي الوطن القومي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير القومي في هذه الدولة هو للشعب اليهودي وحده.
إذا ما اعتبرنا أن مفهوم دولة إسرائيل غير واضح، أي لا حدود لهذه الدولة حتى الآن، فإن الحديث يدور ليس على المناطق داخل الخط الأخضر أو الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في العام 1948، ولكن في كل أرض إسرائيل بمعنى فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، ما يعني أن الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس المحتلة أيضاً تأتي في إطار هذا التصنيف.
فيما يتعلق بحق العودة في مشروع القانون، فإنه يقتصر فقط على «الدين»، بمعنى أن لكل يهودي في هذا العالم الحق بالعودة إلى البلاد والحصول على الجنسية والمواطنة الإسرائيلية، والهدف منه جمع شتات اليهود وتعزيز العلاقة بين أفراد الشعب اليهودي، علماً أنه لا توجد ديانة تطلق على المؤمنين بها اسم الشعب، فلا شعب مسلماً ولا شعب مسيحياً، ولا شعب بوذياً أو هندوسياً، فقط كلمة الشعب بمدلولها الديني تقتصر على اليهود!
وفي السياق العنصري نفسه، يرى مشروع القانون أن لا أعياد في هذه الدولة سوى يوم الاستقلال (ذكرى النكبة) وذكرى شهداء معارك إسرائيل، وأن أيام الإجازات هي أيام السبت والأعياد اليهودية، أما القضاء فالأساس فيه هو الشريعة اليهودية وفتاواها. وهنا لا ندري ما الفرق في هذا البند بين رؤية هذه الزمرة العنصرية ورؤية جماعة داعش الإرهابية فكلاهما ينهل من المفهوم نفسه. الفرق هو أن داعش حركة إرهابية وإسرائيل ديمقراطية، وهنا يصبح الأمر مشروعاً.
حتى على مستوى اللغة، فإن مشروع القانون يحمل جينات عنصرية، فهو يعتبر اللغة الرسمية للدولة اللغة العبرية فقط، على الرغم من وجود قوانين سابقة تعتبر اللغة العربية لغة رسمية ثانية، وإن بقي ذلك فقط حبراً على الورق، لأن كل المراسلات والمحادثات من أكبر مؤسسة في الهرم السلطوي الإسرائيلي إلى أصغر مؤسسة تتم باللغة العبرية، ولا اعتراف حقيقياً باللغة العربية، ولكن في مشروع هذا القانون فإن اللغة أيضاً تصبح ضمن التصنيف العنصري.
طبعاً مشروع القانون مر خلال السنوات الماضية بمجموعة من التعديلات، خلال النقاشات المطولة له، ولكن هذه التعديلات في كل مرة تتجه بالقانون نحو عنصرية متغولة في حقوق الفلسطينيين.
ومن البنود التي لا يوجد لها مثيل في العالم، ولا حتى في الأنظمة الأكثر عنصرية التي مرت على التاريخ البشري وآخرها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فإن مشروع القانون هذا يؤكد السماح بإقامة أحياء وبلدات يهودية نقية، أي بصريح العبارة خالٍ من العرب، وليس العكس.
تمرير مشروع القانون طبعاً شبه مؤكد في ظل حياة برلمانية إسرائيلية متطرفة وغبية وعنصرية على مدى عقدين ماضيين، بل إن هناك تسابقاً بين الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المهيمنة على تبني مشروع القانون. ومن هنا يأتي موقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو القائم على الانحياز اللامحدود للمشروع في محاولة أيضاً لتبييض فساده وتجنب محاكمته القريبة. وبالتالي أصبح عراب كل ما هو عنصري أو استيطاني من أجل أن يكسب رضا من يسيطر فعلياً على الأرض والقرار في دولة الاحتلال.
ربما يحاول الأوروبيون وما تبقى من يسار ضعيف جداً في إسرائيل التحذير من خطورة هذه القوانين التي تحرف هذه الدولة باتجاه عنصرية غير مسبوقة غير آبهة بدروس التاريخ. ولكن النتيجة هي توبيخ الأوروبيين تحت ذريعة انتقاد «الديمقراطية» الفريدة القائمة على عنصرية فريدة في هذا العالم!!
[email protected]
أضف تعليق