فصل جديد من التمادي الاسرائيلي تجاه الكنائس المسيحية في الأراضي المقدسة، بدأت كتابته مطلع الأسبوع الحالي، ضمن مسلسل الاعتداءات والتطاول على الكنائس، والمتمثلة سواء في الاعتداءات المباشرة كما حصل مع كنيسة الخبز والسمك بالقرب من طبريا ودير اللطرون بالقرب من القدس وكنيسة مار أنطون في يافا وأديرة وكنائس في القدس، أو الاستهزاء واهانة رهبان وكهنة في شوارع القدس من قبل شبان يهود متدينين متطرفين، أو التنكر لحق المواطنين المسيحيين في العودة الى قراهم التي هجروا منها خداعا وعنوة وأبرز مثال على ذلك اقرث وكفربرعم، أو التآمر على هوية المسيحيين العرب وانتمائهم العروبي وهويتهم القومية، بابتداع قومية جديدة لهم لسلخهم عن قوميتهم العربية وعن عمقهم العربي، ومحاولة فرض التجنيد عليهم عبر عكاكيز سلطوية وبعض ضعاف النفوس والمنتفعين. وجاء الاعتداء الجديد والأخير من جهتين متقاطعتين ومشتركتين تعودان الى نفس المصدر. الجهة الأولى تتمثل في رئيس بلدية القدس، نير بركات والثانية تمثلها عضو الكنيست، راحيل عزاريا. بركات من منطلق التنافس والخصام وعزاريا من باب التبعية والخضوع، والطريقان تقودان الى وزير المالية كحلون، دون أن تغفل عن نتنياهو.
قناع كحلون يخفي حقيقة الهجوم على الكنيسة والجماعة المسيحية
نير بركات، رئيس بلدية القدس الاسرائيلية أثبت أنه كثير البركات للحرديم والمتدينين وقليل البركات للعرب والمسيحيين منهم بالذات. منذ عدة أشهر يخوض بركات هذا (وهو صديق رئيس الحكومة الاسرائيلية وحزب الليكود اليميني نتنياهو شخصيا، والمتورط في ملفات فساد ورشاوى ويخضع لتحقيقات شرطية) معركة مع وزير المالية ورئيس حزب "كولانو – كلنا"، موشيه كحلون على تحويل ميزانيات لصندوق بلدية القدس، ويبدو أن بركات يخوض هذه المعركة التي خرجت الى العلن بمباركة خفية من نتنياهو، وهذه المعركة تشهد تصعيدا تمثل في نشر اعلانات كبيرة في الصحف باسم بلدية القدس تهاجم وزير المالية في محاولة للضغط عليه واحراجه أمام الرأي العام اليهودي، ولأن بركات لم يسجل نجاحا ملحوظا في معركته تلك أخذ يفتش عن بديل سهل الامتطاء فلم يجد سوى الكنيسة، لكي يستنزفها ماديا من أجل سد العجز المالي في خزينة بلديته، فاتجه الى المطالبة بفرض ضريبة الأرنونا على أديرة ومدارس وبيوت الزيارة التابعة للكنائس، وهي خطوة مستهجنة وتشكل اعتداء صارخا على الكنائس وخروجا عن التفاهمات معها وخاصة مع الفاتيكان، بل أنه أصدر أوامره بالحجز على حسابات الكنائس والأديرة، لكنه سرعان ما اضطر الى التراجع – مؤقتا- عن الاجراء الأخير أمام الضغوط الدولية على الحكومة الاسرائيلية.
وهكذا حول بركات عيد المساخر الى مسخرة فعلا، بتقنعه بوجه كحلون لينفذ مخططا يمينيا، يستهدف الكنيسة بشرا وحجرا وقيمة تاريخية وخدمات انسانية.
ان كان بركات قد ارتدى وجه كحلون بالمقلوب ليبتز الكنائس ويستنزف قدراتها ومقدراتها، تأتينا عضو الكنيست راحيل عزاريا متقنعة خلف رئيس حزبها كحلون، لتستنزف الكنائس على طريقتها متذرعة بالقانون، فلجأت الى اقتراح سن قانون يجيز للدولة مصادرة أراض تعود للكنيسة، وهي مطمئنة الى الأغلبية اليمينية الصهيونية في الكنيست وتأييد وزيرة القضاء السوبر يمينية شكيد. وصدق رؤساء الكنائس المسؤولة عن القبر المقدس (كنيسة القيامة) عندما رأوا بهذا المقترح " جزءا من الحملة الممنهجة المسيئة للكنائس والمسيحيين، يتميز بالعنصرية، يستهدف مميزات الجماعة المسيحية في الأرض المقدسة".
من أجل تنظيم مسيحي شعبي يضمن حضورنا ومستقبلنا
استقبلت الجماعة المسيحية اعلان اغلاق كنيسة القيامة وفئة كبيرة منها تخوض معركة كنسية وشعبية، لايقاف الصفقات المريبة وبيع أراض تابعة للكنيسة الأرثوذكسية لشركات صهيونية بموافقة البطريرك ثيوفيلوس، ورأى البعض أن حملة بلدية القدس أتت لتخدم البطريرك ولتنقذه.. مما لا شك فيه أن البطريرك استغل خطوة رئيس بلدية القدس ليضرب ضربته ويعمل على رفع أسهمه جماهيريا، لكن سواء أكان الأمر مدبرا أم حصل في تزامن مريب، لا يمكن لنا الوقوف جانبا وكنائسنا تتعرض لهجوم بشع يحمل أبعادا أكبر من أهدافه المعلنة.
لقد أصدر " حراك الحقيقة الأرثوذكسية" بيانا مسؤولا دعا فيه للتصدي لمخططات بلدية القدس ومطالبا " ينبغي على البطركيّة أن تفتح الملفّات ليطّلع عليها طاقم من المحامين والمحاسبين من أبناء الكنيسة، ويقدّموا الاستشارة اللازمة للردّ على الادّعاءات الإسرائيليّة." مؤكدا على مواصلة الحرب على ثيوفيلوس، وبهذا أثبت مسؤوليته وغيرته على كنيسته.
لقد اهتمت وسائل الاعلام بقرار اقفال كنيسة القيامة في القدس لأول مرة منذ مئات السنين، أما على الصعد الأخرى الجماهيرية والدبلوماسية فلم يكن هناك تحرك يذكر، وهذا يدعو للريبة والقلق.
مرة أخرى نقف أمام معضلة تتعلق بالكنيسة وأبنائها في هذه البلاد، وخاصة في مواجهة السلطة الاسرائيلية الحاكمة والعنصرية، ونحن في حيرة من أمرنا وبلبلة وعدم يقين أو امتلاك آلية واضحة للرد ونقل المعركة الى أرض الخصم. وهذه الأمر نابع الى تعدد الكنائس وعدم توفر صوت واحد وموحد، لكن ذلك ليس تبريرا لتقصيرنا خاصة وأن التعددية موجودة منذ مئات السنين. يبقى للعلمانيين دور أساسي في حياة الكنيسة، وهم جماعة المؤمنين أي هم الكنيسة وليس الاكليروس فقط، وقد أكد على ذلك "المخطط الرعوي العام" للكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة، وطالما أن العلمانيين من كل الكنائس مبددون دون تنظيم يجمعهم ويوحد رؤيتهم ويرسم طريقهم، ستبقى الجماعة المسيحية في هذه البلاد ضعيفة ومستضعفة، فليس من الحكمة أن نكتفي بالنقد ونتقاعس عن الانطلاق في العمل الميداني الضمانة لحضورنا ومستقبلنا، وهذا ما يستدعي المبادرة الى تشكيل تنظيم شعبي- وطني- مسيحي منذ الأمس وليس اليوم.
( شفاعمرو/ الجليل)
[email protected]
أضف تعليق