بعد سنوات على خسارته السيطرة الجغرافية، عاد تنظيم داعش إلى واجهة المشهد الأمني في الشرق الأوسط، لكن من دون مدن أو حدود، بل عبر هجمات محدودة، خلايا نائمة، ومحاولات اختراق في مناطق تعاني هشاشة أمنية، خصوصًا في سوريا والعراق، مع تداعيات تمتد إلى دول الجوار، وفي مقدّمها لبنان.

في كانون الأول 2025، نفذت الولايات المتحدة ضربات واسعة استهدفت أكثر من 70 موقعًا مرتبطًا بالتنظيم في سوريا، عقب هجوم استهدف قوات أميركية قرب تدمر وأسفر عن قتلى وجرحى. واشنطن أوضحت أن الضربات طالت مقاتلين وبنى تحتية ومخازن أسلحة، في مؤشر إلى استمرار قدرة التنظيم على العمل داخل البادية السورية رغم الحملات العسكرية المتواصلة. كما شارك الأردن بضربات جوية في جنوب سوريا، ما يعكس اتساع القلق الإقليمي من تحوّل بعض المناطق السورية إلى مصدر تهديد عابر للحدود.

تحليلات أمنية تربط تجدد نشاط التنظيم بعوامل معروفة، أبرزها الفراغات الأمنية، تعدد القوى المسيطرة، وصعوبة ضبط المناطق الصحراوية والهامشية. وفي سوريا، تشير تقارير إلى أن تعقيدات المشهد الأمني تسمح ببقاء التنظيم كتمرد منخفض الوتيرة، ينفذ هجمات محدودة ثم يختفي. ووفق معطيات رسمية، أُحبط منذ منتصف 2025 ما لا يقل عن 12 مخططًا كبيرًا في سوريا والعراق، ما يدل على أن حجم النشاط يتجاوز ما يظهر في الهجمات المعلنة.

في العراق، تراجعت قدرات التنظيم بشكل كبير مقارنة بالفترة بين 2014 و2017، لكن الاستئصال الكامل لم يتحقق. ففي كانون الأول 2025، أعلنت السلطات العراقية مقتل عدد من عناصر التنظيم، بينهم قياديون، بضربة جوية في جبال حمرين. وفي المقابل، يواصل البنتاغون تقليص المهمة الأميركية في العراق، معتبرًا أن التنظيم لم يعد يشكّل تهديدًا استراتيجيًا من هناك، مع نقل ثقل الجهد إلى الساحة السورية، ما يثير نقاشًا حول مخاطر تخفيف الضغط الأمني في بعض المناطق.

أما في لبنان، فيبقى اسم التنظيم حاضرًا عبر تفكيك خلايا ومنع هجمات قبل وقوعها، لا عبر أي سيطرة ميدانية. ووفق مصدر أمني تحدث إلى لبنان 24، أوقفت الأجهزة الأمنية خلال عام 2025 عددًا من الأشخاص بتهم تتعلق بتشكيل خلايا مؤيدة للتنظيم والتخطيط لاعتداءات، إضافة إلى إحالة ملفات أخرى على القضاء مرتبطة بنشاط خلايا في مناطق حدودية.

ويحذّر المصدر من أن أي تصعيد في نشاط التنظيم داخل سوريا، خصوصًا في البادية والشرق، يرفع احتمالات محاولات التسلل أو التجنيد عبر الحدود، أو إعادة تنشيط خلايا نائمة تستفيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مع تحوّل التهديد من هجمات كبيرة إلى أعمال متفرقة تستنزف الأجهزة الأمنية.

وتُظهر الصورة العامة أن التنظيم خسر “الدولة” لكنه يحتفظ بوجود مرن يتكيّف مع مستوى الضغط الأمني. ففي سوريا، تبقى البادية وشرق البلاد بؤرًا لنشاط خلايا، وفي العراق تظهر جيوب محدودة في مناطق وعرة، بينما يقتصر حضوره في لبنان على خلايا ومحاولات تنظيم محدودة. ويُعد ملف السجون والمخيمات في شمال شرق سوريا من أكثر مصادر القلق، في ظل وجود آلاف من مقاتلي التنظيم ومشتبه بهم وعائلاتهم، ما يجعله قابلًا للتحول إلى أزمة أمنية في حال اهتزّ الوضع القائم.

الخلاصة أن المعطيات لا تشير إلى عودة تنظيم داعش بنسخة 2014، لكنها تعكس تنظيمًا يعمل تحت سقف منخفض، يستثمر الفراغات الأمنية، ويعتمد على هجمات محدودة ونموذج “الفرد المنفذ”. ووفق أرقام أمنية، تراجع عدد الهجمات من نحو 3460 في عام 2019 إلى قرابة 1100 حتى عام 2025، ما يؤكد انحسار التنظيم، وإن لم يُنهِ خطره بالكامل.

المصدر: لبنان 24

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]