شعور بالإحباط والغضب ساد الأجواء الشعبية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحديداً، إثر انفضاض أعمال اجتماع الفصائل في القاهرة قبل أيام وإصدار بيانها الذي لم يلب الحدّ الادنى من الآمال التي علقها الجمهور الفلسطيني على هذا الاجتماع الذي تبين أن توقيت عقده بعد ثلاثة أسابيع من تسلم حكومة الحمد الله للوزارات والمؤسسات الحكومية لم يكن القرار الصائب، إذ إن القاهرة التي دعت لهذا الاجتماع، كانت تظن على الأغلب أن هناك جدية وصدقاً من قبل الطرفين على الالتزام بحوار القاهرة منتصف الشهر الماضي، فيما يتعلق بالمعابر والموظفين وتمكين الحكومة الشرعية من تسلم مهامها في قطاع غزة، لكن الأمر كان على خلاف ذلك، إذ أن عملية التسليم ومن ثم التمكين، ظلت في الاطار الشكلي، ذلك من المعروف أن عملية تسلم وزير جديد من وزير سابق، على سبيل المثال، لوزارة ما، يخضع لبروتوكول خاص يتضمن تسلم الملفات والميزانيات وهيكل الوزارة، إلخ من مقتضيات التمكين، هذا الأمر لم يتم وظلت العملية رهناً بتفاهمات ومجاملات. «حماس» أرسلت رسالة ناجحة للجميع أنها قامت بكل التسهيلات لتسليم أعمال اللجنة الإدارية إلى حكومة الحمد الله، هذه الأخيرة، أعلنت عبر وزرائها وقيادييها أكثر من مرة وبشكل متكرر، أنها جاهزة لتسلم أعمال الوزارات والمؤسسات الحكومية، تبين فيما بعد أن تسهيلات حركة حماس لم تكن شاملة، وتبين، أيضاً، أن حكومة الحمد الله لم تكن جاهزة ولم تأخذ الأمر على محمل الجدية المطلوبة والمتوقعة، كلا الطرفين خدعا الشريك المصري الذي اعتقد أن الحوار الأخير الذي جمع الفصائل سيتجاوز ملفات حوارات «فتح» و»حماس» السابقة في القاهرة، لذلك نقول إن موعد الحوار الأخير لم يكن ملائماً ومناسباً، لأنه انصب بدرجة أساسية على ملف «مرحل» من حوارات «فتح» و»حماس» الأولى، الأمر الذي منع تناول الملفات الأساسية التي كان ينبغي أن تشكل جوهر جدول اعمال هذا الحوار.
من أهم المفارقات التي انطوى عليها بيان الفصائل المجتمعة في القاهرة، أن هذه الفصائل، هي التي اختارت لجنة الصياغة، وهي التي أقرته ووقعت عليه، والمفارقة أن هذه الفصائل ذاتها، هي التي انتقدت البيان الذي أنجزته وصاغته، هي التي اعتبرته بديلاً عن الفشل، أي شكلا من أشكال الخداع، وهي التي أشارت إلى أنه ـ البيان ـ لم يحقق الحد الأدنى المطلوب، ولم يتبق للمحللين السياسيين وأصحاب الرأي والجمهور ما يمكن إضافته على ما انتقدته الفصائل على مضمون بيانها بصفحاته الأربع.
لعلاج هذا الأمر الصادم، اضطرت القاهرة إلى تفعيل برنامج الحوارات من خلال وفدها الذي من المفترض أن يصل اليوم إلى قطاع غزة لمراقبة عملية تمكين حكومة الحمد الله، والاجتماع المرتقب الذي يضم حركتي فتح وحماس الأسبوع الأول من الشهر القادم، في عودة ضرورية للوراء لتلافي عملية التعجل غير المحسوب بدقة، من قبل القاهرة نظراً لتفاؤلها بإنجاز المرحلة الأولى من أجندة تطبيق اتفاق القاهرة 2011، ومن ثم الحوار الوطني الشامل حول الملفات الأكثر أهمية وجوهرية المتعلقة بالانتقال من الانقسام إلى استعادة الوحدة الحقيقية.
وارتباطاً بعملية التمكين، لم يتم الوفاء بتعهد الرئيس عباس وحكومة الحمد الله بالعودة عن القرارات الأخيرة المرتبطة برواتب الموظفين وتقاعدهم وغيرها من الإجراءات، خاصة المتعلقة برواتب موظفي حركة حماس، ذلك أن عملية التمكين تنطوي على «الجباية المالية» التي تمكن الحكومة من تقديم الخدمات للمواطنين ومن ضمنها رواتب الموظفين، مع أن العودة عن هذه الإجراءات ما كان لها أن ترتبط بالتمكين، إذ أنها تمت بشرط عودة حركة حماس عن لجنتها الإدارية، مبرر حكومة الحمد الله أن اللجنة الإدارية ما زالت باقية وتعمل رغم الإعلان عن حلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك قرار من وزارة السياحة بوقف التجريف في منطقة تل السكن الأثرية، إلاّ أن التجريف ما زال مستمراً حتى الآن، كما أن هناك إشكاليات حقيقية حول تسليم سلطة الأراضي، في حين أن حكومة الحمد الله، التي أعلنت عن قرار توحيد رسوم المركبات، ما زال حبراً على ورق، وهي التي تتحمل مسؤولية ذلك كونها، حكومة الحمد الله، لا تزال غير جاهزة حتى في المواقع التي تسلمتها فعلاً.
الرهان ما زال قائماً على دور مصري، دور شريك وليس مجرد مراقب وشاهد، في الضغط على الجانبين بهدف إزالة كافة العقبات أمام عملية المصالحة، ولكي يكون هذا الدور ناجحاً ومؤثراً، يطلب من القاهرة، تحديد المسؤوليات علناً حول الأطراف التي تعرقل هذه العملية، ووضع جداول زمنية ملزمة لكن واقعية على ضوء عملية انقسام شديدة العمق في اطار السلطات المسيطرة، ذلك أنه خلال أكثر من عقد من الزمن تولّدت مصالح ونفوذ لدى أطراف نجحت في استيلاد نماذج مسيطرة من الصعب القفز عن استهدافاتها!
[email protected]
أضف تعليق