يعود إلى حيث كان، مصوّتاً دائماً لأحزاب اليمين، هذا هو زعيم حزب العمل الجديد، آفي غباي، الوافد الجديد إلى عالم السياسة من عالم الاقتصاد والمال بعدما حاول أن يشتري أسهم شركة «العال»، إلاّ أن فشله في ذلك، اضطره إلى الاستجابة لدعوة موشيه كحلون لتشكيل حزب «كولانو»، وبالفعل فاز الحزب الجديد بعشرة مقاعد وانضم إلى حكومة نتنياهو حيث شغل غباي منصب وزير البيئة بين عامي 2015 ـ 2016، إلى أن استقال «لدواع أخلاقية» كما قال وانضم إلى حزب العمل، إلى أن أصبح رئيسه قبل ثلاثة أشهر تقريباً.
وقيل لدى نجاحه في رئاسة حزب العمل، إنه سياسي غض، لم يشغل مقعداً في الكنيست، ما يجعله أكثر قدرة على إنقاذ حزب العمل من الغرق، بعد فشل القيادات السياسية المعروفة في ذلك، وبدأ رئاسته للحزب بالهجوم على السياسة الداخلية الاقتصادية لحكومة نتنياهو، معلناً عدم الشراكة معها في أي ظرف، متهماً إياها بالانجرار وراء الأحزاب الدينية.
وبعدما ظلت سياساته محكومة بالغموض، حسب بعض التحليلات والآراء، إلاّ أن تصريحاته التي بثها مؤخراً، تشير إلى انكشاف حاد إلى درجة أن قيادات وكوادر حزب العمل فوجئوا بمقدار هذا التحول الكبير لدى غباي الذي انتقل من كونه لغزاً غامضاً إلى كونه منافساً لليمين من موقع اليمين، في حالة انكشاف حقيقي ليس من الناحية الشخصية، بل انه وضع حزب العمل حيث هو بلا مساحيق أو رتوش، حزب العمل، لم يكن حزباً يسارياً، وبالكاد كان يمين وسط، يتحول الآن إلى يمين نقي، الأمر الذي يستوجب إعادة قراءة خريطة مرجعية الأحزاب في إسرائيل، بحيث يتموضع حزب الليكود إلى حزب يميني متطرف، وليس مجرد حزب يميني. تصريحات غباي غير المباشرة، من أن التطرف نحو اليمين يحقق لحزب العمل مكاسب انتخابية، تؤكد مدى شعبوية هذا الحزب بقيادة هذا الرئيس، وذلك بالتجاوب مع انزياح المجتمع الإسرائيلي بكلّيته نحو اليمين واليمين المتطرف، وانقياد حزب العمل برئاسة غباي، ينزع عنه الغطاء المزيف باعتباره حزباً يسارياً، أو حتى قريباً من اليسار. انكشاف هذه الهويات والمرجعيات تزيل الالتباسات حول قراءة واقعية لهذه الأحزاب بعيداً عن الهويات التي تمنحها هذه الأحزاب لنفسها، ما يجعل قراءة الخريطة الحزبية السياسية، تتسم بالأخطاء والخطايا.
مقاربة سريعة لتصريحات غباي الأخيرة، تجعلها أقرب إلى تصريحات نتنياهو، ولعل في توصيف «هآرتس» لهذه المقاربة الكثير من الصحة عندما قالت إنها تعكس غباي كليكودي يترأس حزب العمل، بعدما أعلن أنه لن يخلي أي مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة في أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، كما أنه لن يجلس في أية حكومة مع القائمة المشتركة!! وكأنه يتجاهل حقيقة أن القائمة المشتركة هي ذاتها التي لا تقبل الجلوس معه في حكومة واحدة، ربما لإدراكه طبيعة تعقيدات الخارطة الحزبية فيما يتعلق بهذه القائمة التي تجعل منها كتلة مانعة في أفضل الأحوال.
الزعيم السابق لحزب العمل، يتسحاق هيرتسوغ، سبق وأن دعا أعضاء حزبه إلى الامتناع عن أي تصريح أو قول أو حديث يعطي الانطباع أن حزب العمل يحب العرب. أقوال غباي الأخيرة، تأتي في ذات السياق، ولكن من خلال مواقف محددة حول الاستيطان ودور النواب العرب، خاصة القائمة المشتركة في تشكيل الائتلافات الحكومية، لهذا فإن غباي لم يعد غامضاً أو لغزاً، ولم يعد غضاً في عالم السياسة رغم حداثة عهده بها، فقد عرف أن اليمين الإسرائيلي سيظل مسيطراً على قيادة الدولة العبرية مستجيباً لانزياح المجتمع الإسرائيلي أكثر فأكثر نحو اليمين، وبدلاً من أن يكون مختلفاً أو معارضاً أو يسارياً ولو بالشبهة، عليه أن يصبح يمينياً أكثر من اليمين التقليدي، فهو يحارب اليمين من داخل صفوفه، بالمزايدة عليه، ولعلّ في تاريخ حزب العمل الذي كان له السبق في شرعنة الاستيطان والأكثر بطشاً بالفلسطينيين، على الأقل منذ كان وزير الدفاع في عهد حكومة شارون الأولى عام 2001، عندما شنت الدولة العبرية حرب «السور الواقي» في الضفة الغربية، بنيامين بن اليعازر، رجل حزب العمل ووزير الأمن، هو الذي أعاد احتلال المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، غباي وريث شرعي لهذا التاريخ، كاشفاً عن حزب العمل كحزب يميني بامتياز!!
[email protected]
أضف تعليق