قدّمت حكومات العراق وإيران وتركيا موقفاً موحّداً مناهضا لقرار سلطات حكومة أربيل الكردية بتنظيم استفتاء في المناطق التي تسيطر عليها يصوّت فيه السكان على استقلال كردستان. البيان الذي أصدرته حكومات البلدان الثلاثة قال إن الاستفتاء «لن يكون مفيدا للأكراد» واتفق على اتخاذ «إجراءات مضادة» ضد أربيل في حال مضت في قرارها، كما أنه طالب بـ«تضافر الجهود الدولية لإقناع حكومة إقليم كردستان بإلغاء الاستفتاء».
وفي الحقيقة فإن «الجهود الدولية» لم تنقطع باتجاه موحّد، فالموقف الأمريكي، وهو الأكثر أهميّة في تقرير مصير هذا الاستفتاء، اتجه أيضاً لإعلان أن الاستفتاء «غير ضروري» و«يعرّض العلاقات التجارية الإقليمية لكردستان والمساعدات الدولية للخطر»، وتبعه الموقف البريطاني الذي حث أربيل وبغداد على «التفاوض والحوار»، والفرنسي الذي طلب، عبر رئيسه إيمانويل ماكرون، الذي اتصل برئيس الإقليم مسعود بارزاني، تأجيل إجراء الاستفتاء.
في المقابل كانت هناك ثلاثة مواقف مميزة تجاه الاستفتاء، الأول جاء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان واضحا، ليس في تأييده للاستفتاء فحسب بل كذلك في أن «يكون للشعب الكردي دولة»، وهو موقف نقله للكونغرس الأمريكي قائلا إن «من الضروري أن تكون للكرد في العراق دولة مستقلة، فهم شعب شجاع وبطل، كما أنهم أصدقاء للغرب وللقيم الغربية… وأصدقاء لنا».
الموقف الثاني كان من روسيا، اللاعب العالمي والإقليمي الكبير في المنطقة، وتم تلخيصه بقول لديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال إنه يدعم «وحدة أراضي دول المنطقة» لكنه «لا يريد إعلان قرار روسيا حول الاعتراف أو عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المرتقب»، وهو ما يوحي أن روسيا لا تعارض الاستفتاء بالضرورة، وأن اعترافها بنتائجه يتعلّق عمليّاً بمواقف الدول المضادّة له، وحسابات موسكو الاستراتيجية في المنطقة.
أما الموقف الثالث فكان موقف المملكة العربية السعودية التي اتخذت موقف الوسيط بين بغداد وأربيل، غير أن وساطتها انتهت بالفشل، بعد التصعيد الإقليمي والدوليّ مما دعاها إلى مناشدة «حكمة وحنكة الرئيس مسعود بارزاني لعدم إجراء الاستفتاء».
غير أن رفض الاستفتاء لا يقتصر على حكومة العراق نفسه، وعلى حكومات الإقليم والقوى العالمية المؤثرة فحسب، فالقوى السياسية الكردية نفسها تتنازعها المصالح والأهواء والتأثيرات الإقليمية، ورغم أن الطرفين الحزبيين الكبيرين، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعدا في البرلمان العراقي)، وحركة التغيير (24 مقعداً)، توافقا، على مضض، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (38 مقعداً) على قبول إجراء الاستفتاء، فإن حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يسيطر على سنجار وجبال قنديل في العراق، رفض، عبر أداته السياسية العراقية «حركة المجتمع الكردستاني» الاستفتاء، بل وقال إنه لن يسمح بإجرائه في المناطق الخاضعة لسيطرته في شمال العراق.
أما شركاء الوطن العراقيّون، فقد تناسوا خلافاتهم، حيث وجدنا القوى المعبّرة عن السنّة في البرلمان ترفض بدورها الاستفتاء، كما وجدنا مباراة بين الخصمين اللدودين، مقتدى الصدر ونوري المالكي، في تهديد وتحذير الأكراد، مع تفوّق ظاهر للمالكي، الذي اشتهر عهده بانعدام النزاهة والفساد المالي الكبير والطائفية، بقوله إنه «لا يريد إسرائيل أخرى في المنطقة».
صعّدت حكومة بغداد والدولتان المحيطتان بكردستان، إيران وتركيّا، لهجة تهديداتها، فأرسلت طهران جنرالها القويّ قاسم سليماني إلى كردستان العراق مجدداً، فيما حشّدت تركيّا قوّاتها على الحدود، والسباق يدور الآن بين العاطفة القوميّة التي تجتاح إقليم كردستان (من دون أن ننسى حسابات حكومة بارزاني مع حكومة بغداد حول ميزانية الإقليم ورواتب البيشمركه)، وحسابات الواقعية السياسية التي تهدّد أركان الدولة المرتقبة، فهل تتغلّب عواطف القوميّة الجامحة على تهديدات حكومات بغداد والإقليم؟
[email protected]
أضف تعليق