مع انتهاء فصل الشتاء وقشعريرة البرد القارص , وثورة الأعاصير والرياح العاتية المختلطة برمال البحر الرطب الصامت كالبركان الذي ينتظر صيحات , وولوج الليل وهدوءه وصمته القاتل تتمازج النفوس الممزوجة والمتفاعلة بالقهر والظلم الغابر مع سكونه القاهر تتفاعل كل آهات البشر وتتعالى أصوات الكبت والجوع والحصار , لما تلاقيه النساء والشيوخ والأطفال , للحرمان من قدحه شرارة تنقصها مواد نفطية حتى يستمدون بها حرارة البرد الذي اخذ ينساب رويدا إلى دخول نسيم الربيع الذي بدؤوا يشتمون منه رائحة الصيف , وقليلا منه أزاح غمامة القهر والبرد لما احتاجوه من دفء , كاد يفقدهم اقل الموارد والعطاء والمقومات الإنسانية لبني البشر على وجه تلك السيطرة القمعية , التي ذرفت دموعها غزة هاشم في لوعة وحسرة كانت بأمس الحاجة الملحة إليهم , وحبذا لو تجلت تلك الرحمة المرافقة في طياتها الإحزان والمساعدة , ولو أتت من أخ لأخيه أو أي دولة عربية سعت لجعل أطفال غزة يفرحون ويبتسمون في ظل حصار الشتاء الذي لحق بكافة مرافق حياتهم .. وهل مع قدوم الربيع الأخضر وبدء الصيف القادم ستختلف المعايير وتخمد الثورة البركانية البشرية, لتلاقي مخرجا إنسانيا يعانقها نحو السماء الابديه؟!!.
رانية بنت في مقتبل العمر تعيش ذلك البركان الذي يغدو ويروح من حين لأخر , تشتاق للحرية والطمأنينة كما هو حال أطفال العالم, ومن حين لآخر تكتئب لما هو حال أخواتها وزميلاتها البنات متضرعة للخالق الباري إن يجعلها كبقية بني البشر من أطفال , لتحتضن الأجواء الغزية متمتعة بالشتاء الدافئ على عكس ما حصل لها ولأهلها من انقطاع تخلله الحصار الإسرائيلي, ليجعل منها خائبة الآمال والتطلع ولو بقليل نحو غد أفضل , لا بل ادخلها في دوامة الحزن , وذرف الدموع وبلا انقطاع , لما يحدث لها ولأبناء غزة من صغير وكبير , مهمومة تفتش عن السبل في العيش بحرية وكرامة , تنتظر النخوة العربية والعالمية , ولكنها لا تبني أمالا عليها من المنطلق السائد ( ما بحك جلدك إلا ظفرك)؟!!.
ومع انتهاء الليل وهمساته تستفيق رانية على أزيز الطيران وأضواءه المحلقة فوق سماء غزة , فتنادي بصوت منخفض جارتها (حنين) لتجلسا معا تحدقان إلى تلك المناظر, كما لو تتفرجا على النجوم في سماء غزة , مع الانسجام والخوف المتوقع من القصف الحاصل يجددون الصحوة من الحلم الاعتيادي لكل فتاة , ويعرفن ويتأكدن إن هذه ليست نجوما يحلموا في عدها , لا بل قنابل يقصفون بها , وينتظرن الموت القادم في كل لحظة, أو ثانية كما هو مألوف في غزة, ومع كل هذا وذاك والويلات والمصائب والإحزان والدموع , تربض رانية على كتف حنين , مطمئنة إياها بأن الحياة ماهي إلا مسيرة ومن ستأتي ساعة وداعه الحياة فأهلا وسهلا بها ونحن بانتظارها على الرغم مما نعانيه في حياتيا وبكافة الإشكال غير الإنسانية , ولكن السؤال الذي تطرحه (رانية وتجيب عليه حنين ): هل من منفذ لهذا الشعب الغزاوي؟!!.
ومع موت الأطفال المتتالي بالعشرات يوميا , والحصار الغذائي الاقتصادي وقلة الموارد , يبقى الأمل هو المنقذ الوحيد الذي يعيشون معه , ومع بدء القصف العشوائي , تتسللان كل من (حنين ورانية) , ليوقظن البنت الصديقة (ثورة) بنت الجيران ليستأنسوا ويمضون الليل في هذا المسلسل من الخوف والرعب المتواصل تارة من الطائرات , وأخرى من الدبابات , إلى إن يبدأ النهار بالولوج , يبدو حزينا لما آلت إليه الإحداث الدامية من القصف الليلي المكثف , وتلك فرصة للملة الإطراف وبدأ مشوار النهار الربيعي , لما تركه من أثر القصف , فينادون الجيران وبعض الشباب والشابات وبضمتهم البنت ثورة التي جفت دموعها واضحي قلبها يساوي قلب الأسد في الغابة وتصطحب زميلاتها وزملائها قاصدين أماكن القصف في المساعدة , ولأول وهلة يشاهدون منظر الأطفال القتلى جراء القصف وأمهم بجانبهم , فما كان منهم إلا ذرف الدموع والحزن باد على وجوههم .. إلا ثورة التي بدأت بتغطية الأطفال وإلام معا بقماش ابيض حتى حضور سيارات الإسعاف ونقلهم إلى المشافي معلنين وفاتهم وساعة مواكبهم الجنائزية ؟.
تلك هي غزة التي لا تفارق الإحزان والموت جراء الحصار والقصف , على أمل دخول منقذ من السماء وإخراجها من محنتها التي وعلى ما يبدو لا نهاية لها .. دوامة من الضياع والمتاهات تنتظر رحيل الإحزان عنها , ولكن ثورتها تبقه ثورة الجوع والإحزان والكبت والحصار بكل المعاني من كلمات يعجز الوصف عنها كتابة ونطقا, اللهم أعينوهم وساعدوهم .. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ؟! ولكن هل رانية وحنين وثورة : سيكون لهم مستقبلا كبقية أطفال العالم؟! سؤال بحاجة لإجابة والجواب عندكم ايها البشر ؟! وان كنت على خطأ صححوني.
[email protected]
أضف تعليق