هل هناك أزمة سياسية في فلسطين 1948؟
قبل ان أسأل عن عناصر الأزمة التي اتخذت شكل تهديد لوحدة القائمة العربية المشتركة في الكنيست، أريد الاشارة الى أن القائمة المشتركة شكلت ما يمكن وصفه بحدث استثنائي في مناخات الانقسام الذي شلّ المشروع الوطني الفلسطيني، وسط تفكك شامل فرضه الاستبداد والهمجية في المشرق العربي. فأن يتحالف الشيوعيون واليساريون والقوميون والاسلاميون في جبهة برلمانية في مواجهة الاحتلال ونظام التمييز العنصري الاسرائيلي، هو لحظة تشير الى امكان اصلاح الخلل السياسي في فلسطين، وإلى أنموذج يمكن أن يحذى حذوه من أجل تبديد عتمة هذا الليل العربي الطويل.
قبل أن أصل إلى ما يسمى بالأزمة السياسية التي انفجرت في سياق سياسة التناوب التي اتفقت الأحزاب العربية الأربعة، الجبهة والتجمع والحركة الإسلامية والعربية للتغيير، على تطبيقها. اود أن أذكّر الاخوة والرفاق في فلسطين 1948، أن القيم السياسية والأخلاقية التي تعلمناها منهم يجب أن لا تذهب ضحية المناورات السياسية التي حين تدخل ميدان العمل الوطني الفلسطيني تدمره. فالصراع على السلطة في مناطق الحكم الذاتي اطاح القضية الوطنية أو يكاد، وأقام نظام انقسام تدميريا صار الخروج منه صعبا.
كما أود أن لا ننسى أين نحن داخل هذه العاصفة العنصرية القومية التي جعلت من المستوطنين الطرف الأقوى في السياسة الاسرائيلية، وسمحت بسن قوانين عنصرية تستهدف الفلسطينيين في وطنهم، وتزّين لنتنياهو ولفيف العنصريين والفاشيين امكان تطبيق شكل جديد من الترانسفير، عبر الكلام عن أم الفحم وبلدات المثلث التي يريدون نزع الجنسية عن أهلها، كأن الشعب الفلسطيني ضيف في وطنه، وكأن المستوطنين اليهود هم أصحاب بلاد لا أصحاب لها.
لا أريد أن ألقي دروسا في السياسة والوطنية على من كان لنا أنموذجًا ومنارة، ونريده أن يبقى كذلك. فتجربة صمود الصامدين في فلسطين 1948، كانت أشبه بالأعجوبة، فهذا الصمود ترافق مع انطلاق ثقافة مقاومة الاحتلال في حيفا والناصرة وقرى الجليل والمثلث، وقدم نماذج مختلفة لوعي سياسي ناضج ومتعدد، من الحزب الشيوعي الى حركة الأرض وابناء البلد وصولا الى التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الاسلامية بجناحيها.
لم نر في تأليف القائمة المشتركة ذوبانا للتيارات السياسية والفكرية الفلسطينية في تيار واحد، ولم يكن هذا هدف الرفاق الذين صنعوا بجهدهم وصبرهم هذا الانجاز. الهدف كان الوحدة في التعدد، والتحالف من مواقع سياسية وايديولوجية مختلفة، والتركيز على التناقض الرئيسي مع النظام الصهيوني العنصري، والنضال من أجل المساواة والحقوق وعلى رأسها حق ابناء القرى المهجّرين في العودة إلى قراهم، مقدمة لتأكيد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
القائمة المشتركة إلى جانب لجنة المتابعة العليا يشكلان أرضا لوحدة الشعب الفلسطيني في فلسطين 1948، وهما جسمان سياسيان في حاجة إلى تطوير كبير والى مزيد من الدمقرطة لآلية عملهما، لكنهما جسمان متكاملان يؤَمّنان حدا أدنى من الوحدة. وتكفي تجربة الانتخابات البلدية البائسة في مدينة الناصرة، لتقدم أنموذجا لمضار الانقسام ونتائجه الكارثية.
واليوم، خصوصا بعد هبة الأقصى في القدس، حين وقف فلسطينيو المدينة المحتلة وحدهم، سلاحهم الوحيد هو الصمود. لم يثنهم الفراغ السياسي الذي تركته الفصائل والسلطة، بل زادتهم تصميما على المواجهة وتحقيق نصر جزئي. اليوم، تتطلع القدس إلى نواب القائمة المشتركة كي يكونوا لها صوتا يدافع عن حقوقها.
كما ترون أيها الرفاق والأصدقاء فلا وقت للعب بصغائر الأمور، ولا يحق لأحد، مهما كانت الأسباب، أن يستبدل الرئيسي بالثانوي وأن يشلّ الحياة السياسية الفلسطينية في مماحكات لا معنى لها، وفي البحث عن مكاسب صغيرة ستكون خسائر صافية في معركة الصمود والبقاء والمقاومة التي تخاض كل يوم.
لا أريد ولا أسمح لنفسي بالدخول في تفاصيل الصراع على المقاعد الذي انفجر بسبب استقالة باسل غطاس من الكنيست ودخوله السجن الاسرائيلي، والخلل الذي اصاب اتفاق التناوب بسبب ذلك، فهذه مسألة تفصيلية يمكن التغلب على تعقيداتها بروح رفاقية.
إذًا لم هذه الضجة المفتعلة حول الحصص؟
الفلسطينيون خلف الخط الأخضر هم جزء من المجتمع الفلسطيني والعربي المصاب بأمراض سياسية لا حصر لها، ويعيشون وسط هذا المشرق العربي الذي يلفه الظلام، وفي خضم سياسة اسرائيلية تحتلها العنصرية والكراهية، ويشكلون الأنموذج الوحيد لتحالف وطني عريض تلعب فيه التيارات العلمانية الدور القيادي.
لا أعتقد أنه يمكن لأحد أن لا يتلوث بأمراض السياسة العربية المزمنة، ولا أريد أن انزههم عن ذلك أو أن لا أرى تعقيدات اللعبة السياسية ومناوراتها. فالمناورة حق للجميع ونقد الممارسات أيضا حق لا يمكن حجبه، لكن هناك فرق كبير بين الصراع السياسي الشرعي بين أطراف قائمة مشتركة لم تصل بعد إلى مستوى العمل الجبهوي المنظم، وتعريض الوحدة الوطنية للخطر.
نحن نعلم جميعا أن أحد العناصر الأساسية لتشكيل القائمة المشتركة كان الخطر الذي شعرت به اطرافها جميعا من التهميش بسبب تعديل القانون الانتخابي الاسرائيلي وزيادة نسبة الحسم. الدفاع عن النفس في مواجهة هذه الخطوة كان ضروريا ومشروعا، لكنه أسس لشيء جديد لم يعد التراجع عنه ممكنا. ان انهيار القائمة المشتركة وتفككها لم يعد خيارا متاحا أمام أحد، فالتوقف في منتصف طريق الوحدة والتراجع عنها يعني انهيار الثقة بالجميع. ان تشظي القائمة المشتركة لن يعيد الوضع الى ما كان عليه قبل تشكيلها، بل سيكون بداية تفكك في المجتمع السياسي الفلسطيني وسيدفع الجميع ثمنه الباهظ، كما سيترك آثاره المدمرة في لجنة المتابعة العليا التي ستتحول الى ميدان لصراعات فئوية وحزبية لا مبرر لها.
وللأسف، بدل ان يكون النقاش متركزا على كيفية تعميق العمل الجبهوي ومأسسته وبناء أطره الديمقراطية غير الفوقية، فان الأزمة الراهنة تعيدنا إلى نقطة البداية، أي الى ضرورة عدم التلاعب بالوحدة مهما كان الثمن. المطلوب من الجميع تناسي الحسابات الصغيرة، وتطبيق اتفاق التناوب نصا وروحا، كي تفتح هذه الأزمة بداية نقاش جدي حول آفاق العمل المشترك وبرامجه. الخطأ في مسألة الوحدة، وفي هذه المرحلة بشكل خاص، ممنوع لأنه يساوي الخطيئة.
[email protected]
أضف تعليق