هُناك ثلاثة أسباب رئيسية لفشل مهمة ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي، في حل الأزمة الخليجية التي انتهت يوم الخميس بعد جولة استمرّت أربعة أيام، زار خلالها الكُويت والدوحة والرياض، والتقى أربعة من وزراء خارجية الدول التي تفرض حصارًا، أو مُقاطعة، إلى جانب وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء.
الأول: تصميم الدول الأربع على إفشال أيّة وساطة لا تُحقّق مطالبها في الإذعان الكامل لدولة قطر، وتنفيذها جميع شروطها الـ13 بالكامل، ورفعها الرّاية البيضاء.
الثّاني: اتهام الدول الأربع تيلرسون بالانحياز إلى دولة قطر في هذه الأزمة، ومُعارضة الحِصار، المفروض عليها لأنه يضر بالعمليات العسكرية الأمريكية ضد “الدولة الإسلامية”.
الثّالث: توقيع مُذكّرة تفاهم أمريكية قطرية لمُكافحة تمويل الإرهاب حملها تيلرسون معه أثناء زيارته للدوحة، ورفضها خُصوم قطر، ووصفوها بأنّها ليست كافية، ورشّ تيلرسون المزيد من المِلح على جُرح الغضب الرباعي، عندما امتدح قطر لأنّها أول من استجاب لدعوة أمريكا وقف تمويل الإرهاب.
***
وزير الخارجية الأمريكي الذي يفهم منطقة الخليج جيّدًا، وتعامل مع قياداتها عندما كان رئيسًا لشركة اكسون موبيل العملاقة، غادر الدوحة دون أن يُدلي بأي تصريح، ممّا يعني أنّه ليس لديه ما يقوله يعكس تحقيق أي نجاح لمُهمّته، وأن أطراف الأزمة مُتمسّكة بمواقفها، ولا تُريد تقديم أيّة تنازلات تُؤدّي إلى نجاح الوساطة الكويتية.
تيلرسون التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في جدّة، مثلما التقى ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وكذلك الشيخ صُباح الأحمد، أمير الكويت، واختتم جولته بلقاء الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر للمرّة الثانية، وهذا يعني أنه حمل مُطالبات لدولة قطر لا تخرج عن إطار النّقاط الـ13، وقُوبلت بالرّفض القطري، لأنّها تعني نزع السيادة القطرية، ووضع البلاد تحت الوصاية.
لم نُبالغ عندما قُلنا أنّ خُصوم دولة قطر لم ترد لمُهمّة تيلرسون النجاح، لأنّها تتّهمه بالانحياز، ففور بدء الوزير الأمريكي جولته، أفرجت الدّول الأربع في بيانٍ مُشترك عن نصوص وثائق الاتفاق الذي وقّعه الشيخ تميم عام 2014 في حُضور العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وشهادة أمير الكويت الضامن للاتفاق، والهدف من هذه الخطوة غير المَسبوقة خليجيًا، بل وعربيًا، هو التأكيد على نُقطةٍ أساسية، وهي أن دولة قطر تُوقّع، ولكنّها لا تلتزم بما وقّعت عليه.
الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، الذي “تغيّب” عن اجتماع تيلرسون مع وزراء خارجية دول المُحور المُقاطع لقطر، ركّز على هذه النقطة في مؤتمر صحافي عقده في أبو ظبي، وقال “أن على الدوحة فعل المزيد لتعزيز الثّقة فيما توقّعه، وما تُنفّذه”، في إشارةٍ إلى مُذكّرة التفاهم مع أمريكا حول تمويل الإرهاب، وأضاف “الدولة القطرية هي من تُموّل التطرّف والإرهاب والكراهية، وتُوفّر المأوى والمنصّة للإرهابيين”، وأشار “إذا أرادت الانضمام إلى التحالف الرباعي فأهلاً بها.. أما إذا اختارت الجانب الآخر سيُقال لها مع السّلامة”.
النُقطة اللافتة في كلام وزير خارجية دولة الإمارات، أنه لم يتحدّث مُطلقًا عن مجلس التعاون، وتعاطى مع التحالف الرباعي الذي يضم خُصوم قطر كمنظومة سياسية إقليمية جديدة أو بديلة.
مُغادرة تيلرسون المنطقة بخُفّي حُنين، قد يعني انتهاء الوساطتين الأمريكية والكويتية معًا، وانتهاء هُدنة الأيام الأربعة التي سادت أثناء جولته، والمنطقة الخليجية تقف الآن أمام مرحلة جديدة من التصعيد، قد تكون أبرز عناوينها البدء في تنفيذ ما جرى التلويح به من إجراءات اقتصادية تُشدّد الخِناق على دولة قطر.
التحالف الرّباعي السّعودي القطري الإماراتي المصري همّش جامعة الدول العربية، مثلما همّش مجلس التعاون الخليجي، وبات أعضاؤه يتصرّفون كمنظومة جديدة مُستقلّة برؤية إقليمية مُوحّدة، وخريطة طريق واضحة.
***
وُصول الدّفعة الخامسة من القوّات التركية إلى دولة قطر، هو عُنوان مُهم لتصعيد لا يقل شراسة في المُعسكر المُقابل، وانعكاس توجّه يُؤكّد الاستعداد لمُواجهة جميع الاحتمالات، والعسكرية منها على وجه الخصوص.
الدكتور أنور قرقاش الذي يتصدّر حاليًا مُهمّة التعبير عن مواقف المِحور الرّباعي الجديد، ويتجاوز وظيفته كوزير دولة للشؤون الخارجية في الإمارات، لخّص لنا في أحدث تغريداته الموقف بقوله “الحل المُؤقّت غير كافٍ (في إشارةٍ إلى توقيع الاتفاق القطري الأمريكي)، ولا بُد من استغلال فرصة فريدة لتغيير المشروع القطري المُدمّر للمنطقة والمُستمر منذ عام 1995″، أي تاريخ تولّي الشيخ حمد بن خليفة الحُكم في الدوحة، بعد انقلاب أبيض على والده.
ما هو المُخطّط الموضوع لتغيير المشروع القطري المُدمّر هذا، وكيف يتم التطبيق؟ هذا ما لا نستطيع الإجابة عليه، ولكنّه كلام يعكس تهديدًا خطيرًا، سيُؤدّي إلى إشعال حربٍ في منطقةٍ مُتوتّرةٍ أساسًا، إذا ما جرى تنفيذه.. وكل ما نستطيع أن نقوله أن الأزمة تتأزّم أكثر، وتزداد تعقيدًا كُلّما زاد أمدها، والحُلول السياسية والدبلوماسية تتآكل بشكلٍ مُتسارع، والبديل في هذه الحالة هو الانفجار العسكري، الذي تدّعي كل الأطراف أنّها لا تُريده، وتحاول تجنّبه.
* عبد الباري عطوان . رأي اليوم
[email protected]
أضف تعليق