من الواضح أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يشكل مكسباً أكيداً للدولة العبرية، معظم طاقم هذه الإدارة تم اختياره لتأكيد الانحياز الكلي لجانب إسرائيل أكثر من أية إدارة أميركية سابقة، إلاّ ان المكسب الأكثر إثارة يكمن في اختيار نيكي هيلي سفيرة للولايات المتحدة في المنظمة الدولية، معظم، ان لم يكن كل تصريحات هذه السفيرة منذ وصولها إلى المنصب في الأمم المتحدة، تنصبّ على الإعلان عن نواياها المحدّدة والنافذة للوقوف إلى جانب إسرائيل في مواجهة معلنة وصفيقة مع المنظمة الدولية، منذ ولوج هذه السفيرة إلى باب الأمم المتحدة وهي تعلن المواجهة مع المنظمة الدولية لحساب إسرائيل، لم تتحدث هذه السفيرة إلاّ نادراً عن دورها كسفيرة لبلادها، الولايات المتحدة، بقدر ما تحدثت عن نواياها في فتح معركة مع الأمم المتحدة لصالح إسرائيل، وقد تجاوزت كل الحدود الأخلاقية والسلوكية وهي تتحدث عن الأمم المتحدة وإسرائيل، عندما أشارت إلى أنها ستستخدم حذاءها لضرب كل من يهين ويشوّه إسرائيل في الأمم المتحدة، قالت ذلك بشكل سافر ومتعال ومتغطرس دون أن يواجهها أحد لا من المنظمة الدولية أو خارجها، خاصة وأن الأمر يطال تلك القرارات التي اتخذها المجتمع الدولي لإدانة الاحتلال الإسرائيلي وقراراته المتعلقة بالاستيطان والعدوان والحروب.. التعامل بهذا الشكل من السخرية والخفّة مع قضايا مصيرية يعكس ما ستقدمه هذه السفيرة من خدمات لا سابق لها للدولة العبرية على المسرح الدولي، خاصة في ظل خطط إسرائيلية معلنة للقصاص من الأمم المتحدة التي أبعدتها طوال العقود الماضية من أن يتسلم الدبلوماسيون الإسرائيليون أية مواقع أولى وذات أهمية في اللجان والمنظمات الفرعية للأمم المتحدة، هذه المنظمات التي ظلت وطوال العقود الماضية تلتزم بالوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية رغم كل الجهود الأميركية والضغوط المالية للحدّ من تأييد هذه المنظمات للشعب الفلسطيني.
جولات رئيس الحكومة الإسرائيلية الآسيوية والأفريقية خلال الفترة الماضية، استهدفت فيما استهدفت، المزيد من الدعم لإسرائيل في المنظمة الدولية، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من خلال المزيد من الاعترافات من قبل دول عديدة بإسرائيل، بهدف إيجاد المزيد من الدول التي تصوت لصالح إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي وحتى الآن التزمت بإدانة الاحتلال وقراراته. الإخلال بهذه المواقف التقليدية هو أحد أهداف الاتصالات السياسية والدبلوماسية، والاختراقات الإسرائيلية للقارتين آسيا وأفريقيا، في أكبر تجمع لدول تؤيد حتى الآن القضية الفلسطينية، وبإسناد كبير من قبل إدارة ترامب والسفيرة هيلي، سيصبح أمر الإخلال بميزان القوى التقليدي في الجمعية العامة هدفاً قابلاً للتحقق.
لم تكن صدفة، ولا مجرد استثمار للأخبار التي تم تداولها حول أنفاق بالقرب من مدارس وكالة الغوث، لكي يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية حربه على وكالة الغوث، بل هو استثمار للدور المناط بالسفيرة هيلي على صعيد أهم وأخطر الملفات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ملف اللاجئين، حيث تشكل وكالة الغوث، الدليل الأكثر بروزاً للجريمة التي ارتكبتها إسرائيل عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني، ذلك أن تصفية وكالة الغوث تتوازى مع دفن القضية الفلسطينية وتخلص الاحتلال من الشاهد على الجريمة، إعادة فتح هذا الملف أثناء زيارة هيلي لدولة الاحتلال، يصب في هذا الاتجاه والمسعى، ورغم أن محاولات عديدة سابقة قامت بها إسرائيل بالاستعانة بالولايات المتحدة، وخبراء دوليين، لإنهاء أعمال وكالة الغوث، لم يكتب لها النجاح، إلاّ أن حكومة نتنياهو تناور هذه المرة، مستفيدة من وجود السفيرة هيلي في المنظمة الدولية لاستئناف هذه الجهود والمحاولات والرهان على أن هناك فرصة فريدة لدعم هذا التوجه.
ومن المرجح أن تستمر عملية التحريض ضد وكالة الغوث، ووضع هذا الملف تحت الاهتمام الإعلامي والدولي، بهدف ترسيخ المبررات الإسرائيلية بضرورة وضع حد لدور الوكالة بهدف إنهاء خدماتها. في المرات السابقة التي حاولت بها إسرائيل والولايات المتحدة فتح هذا الملف، لم يتصد لهذه المحاولات أي أحد، ما ساعدهما على الاستمرار في هذه المحاولات، والآن، الأمر أكثر خطورة وجدية، وعليه لا يمكن الاقتصار على الأسانيد الحقوقية والشرعية الدولية، الأمر بحاجة إلى مزيد من الجهود والمواقف والتعامل مع دول صديقة أخذت تبتعد عنا لأننا ابتعدنا عنها، ولأننا اعتقدنا على خطأ أن وقوف هذه الدول إلى جانبنا، أمر تقليدي آلي وسيستمر على هذا الحال!
[email protected]
أضف تعليق