بسم الله نحمده حمداً يوازي نعمة الكثيرة وعطاءه الذي لا ينفد ونصلي ونسلم على سيدنا محمد الصادق الوعد الامين.
لكل مجتمع حضارة ولكل حضارة ثقافة ولكل ثقافة عاداتها وتقاليدها التي تُكتسب من دينها او تبلور فكري , من العادات والتقاليد التي يفتخر بها مجتمعنا العربي هي اكرام الضيف والتمثل امامه بحسن الضيافة والقيام بها على اكمل وجه. حتى انه من مميزات المدى الجغرافي للبلدة العربية هي المضافة التي يقصدها الزائر ويحصل على ضيافة وإكرام من مختار البلدة وسكانها , هنالك بعض الروايات التي تنص انه عند استقبال الضيف لم يُسال عن حاجته الا بعد ثلاثة ايام من الاكرام والاستضافة الحسنه. هذه العادة المثيله اكتسبها المجتمع العربي بشكل خاص والأمة العربية بشكل عام من ابو الانبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام.
في هذه المقاله سوف نقف عند هذه العادة من حيث ارثها الديني واختفاءها الاجتماعي وأثرها على تفاقم العنف في المجتمع , هنالك العديد من الايات القرآنية التي خصت ضيافة سيدنا ابرهيم وتعامله مع الضيف وإكرامه له , ففي سورة الذاريات هنالك وصف دقيق لهذه الظاهر فقد قال الله سبحانه وتعالى :
" هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ " ( سورة الذاريات:24-30).
من هذه الايات نرى بان سيدنا ابراهيم لم يسأل ضيوفه عن سبب الزيارة وعن حاجاتهم حتى كونه لم يعرفهم ( قوم منكرون) بل انه اهتم في بداية الامر بإحضار افضل الطعام ( عجل سمين ) وتقديمه لهم (فقربه اليهم ) الا انهم رفضوا تناول الطعام وذلك كونهم ملائكة , بعد ذلك اعترفوا له عن سبب زيارته اليه.هذا الحدث كان قاعدة للتعامل مع الضيف عبر تاريخ مجيد للامه لربما كان هنالك فترات تاريخية شهدت بعض الفئات بتقصير, الا ان الاكرام وحسن الضيافة بقي عنوان ورمز للامه العربية ومجتمعنا العربي الحديث .
ولكن في ايامنا ونتيجة لبركان العولمة والإدمان على وسائل الاتصال منها مواقع الاجتماعية بمختلف انواعها من جهة وشاشات التلفاز من جهة اخرى جعلتنا نهمش تبادل الزيارات وإقصاء ألضيف حتى انه في كثير من الحالات التي يتم بها التحدث مع الضيف على جناح السرعة خارج عتبة البيت وإذا اهَم صاحب البيت باستدعائه ( تفضل) فيكون على الاغلب لإسقاط العتب والواجب الا من رحم ربي , هذا الامر خلق حالة من الجفاف الاجتماعي بين ابناء المجتمع وتُرجم فيما بعد الى عدم تقبل الاخر جراء الحاجز الاجتماعي والبعد الذي وَلد فيما بعد العنف الذي ينبع من عدم قبول الاخر من وجهات نظر مختلفة نتيجة الجفاف الاجتماعي , فحسب الاحصائيات حول تفاقم العنف في المجتمع العربي نجد ان غالبيته تنجم من عدم قبول الاخر, منها المشاكل الاسرية بين الزوجين والعائلية بين العائلات والحمولة والسياسية خلال فترة الانتخابات وفقدان مبدأ التعددية والاجتماعية بين افراد المجتمع الواحد.
في كلماته هذه لا اشمل المجتمع بأكمله فهناك ممن حافظ على هذه العادات القيمة الحميدة , ولكن الاغلب قد تخلى عن هذه العادة التي فتحت ابواب العنف, علينا محاسبة انفسنا مرة اخرى والعودة الى الترابط الاجتماعي الاصيل الذي ينص على الالتقاء الشخصي من حيث مناسبات اجتماعية ودينية والمحاولة في بث العادات والتقاليد التي ورثناها من الانبياء منها حسن الضيافة التي تترجم فيما بعد الى التعرف على الاخر وتقبله ودحض العنف.
الحمد لله الذي بنعمة تتم الصالحات .
[email protected]
أضف تعليق