الحل السياسي وصل إلى طريق مغلقة في ظل متغيّرات دولية وإقليمية لا تصب في إطار المصلحة الفلسطينية، وإنما تزيد الضغوط على القضية الفلسطينية.
عقدان من المفاوضات دون نتائج، فحل الدولتين الذي راهن عليه الكثيرون، وخاصة النخبة الفلسطينية، لم يعد خياراً قائماً وكذلك حل الدولة الواحدة.. وما تبقى هو فتات سياسي أقل من دولة بكثير وأعلى درجة من حكم ذاتي بالمفهوم الليكودي.
في مسيرة المفاوضات الماراثونية طرحت عشرات السيناريوهات، أميركياً وأوروبياً وعربياً للحل السياسي.. ولكن جميعها انتهت مواتاً، وبقيت القضية على ما هي عليه.
مسيرة المفاوضات أخذت أشكالاً متعددة، قنوات علنية أو سرية كشف عنها لاحقاً، وآخرها ما أوردته صحيفة «إسرائيل اليوم» من أن مايك هيرتسوغ (عقيد في الجيش الإسرائيلي شغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك) كشف عن وجود قناة مفاوضات سرية أميركية – إسرائيلية – فلسطينية عملت على مدى أكثر من عامين على إيجاد تفاهمات عامة بمشاركة مندوبين رسميين وغير رسميين من الأطراف الثلاثة، وأن هذه القناة كانت نشطة وتوصلت إلى تفاهمات أولية أساسها دولة منزوعة السلاح، مع وجود الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الشرقية لمدة خمس سنوات تتسلم بعدها قوة متعددة الجنسيات المنطقة الحدودية حسب الرؤية الفلسطينية، ولمدة غير محدودة قد تصل إلى مائة عام حسب الرؤية الإسرائيلية وإصرار نتنياهو.
بالنسبة لموضوع اللاجئين، تكون العودة فردية إنسانية حسب الرؤية الإسرائيلية، أما بالنسبة لرؤية واشنطن للقدس، فالطرح كان اعترافاً فلسطينياً بيهودية إسرائيل مقابل الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة فلسطينية، طبعاً دون تعريف ما هي القدس، هل هي الرام أم أبو ديس أم الأحياء الفلسطينية الموجودة تحت سيطرة السلطة أم ماذا؟. المهم أن هذه القناة وتفاهماتها باءت بالفشل وأغلقت، كما باء مؤتمر العقبة وأطروحاته بالفشل.
نحن نسوق ذلك كمثال لعقدة فشل المفاوضات بأشكالها المتعددة، من الواضح تماماً أن الرفض الإسرائيلي المطلق لحل عادل، ورفع سلطات الاحتلال لسقف مطالبها، هما السبب الرئيس لفشل خيار المفاوضات. ومن الملاحظ أيضاً أنه كلما تقدمت هذه المفاوضات ووصلت إلى بعض التفاهمات، دخل الصاعق الإسرائيلي لتفجيرها، لأن الثابت في السياسة الإسرائيلية هو لا دولة فلسطينية مستقلة، والكل الإسرائيلي مجمع على ذلك، لكن الخلاف في تركيب الجمل السياسية.
يجب ألا نخدع أنفسنا، علينا الاعتراف بأن المتغيرات الكثيرة حولنا، بما فيها الانقسام الأسود، أضعفت القضية الفلسطينية، وأدت إلى تشبث إسرائيل بمواقفها، وحتى المسارعة إلى خلق أمر واقع على الأرض بالاستيطان والمصادرة لإنهاء أي تفكير بحل سياسي عادل.
أمام هذا الواقع، ما العمل؟ وكيف نحد من الخسائر المتراكمة للقضية؟ وكيف نبقيها حية إلى أن يتغير واقع الحال على الأقل عربياً.
ربما يكمن الحل في التفكير ملياً بمفهوم إدارة الصراع مع الاحتلال بعد فشل الحل السياسي، ما يعني خلق حالة من الصمود والمقاومة المشروعة دولياً لإحداث تغيير فلسطيني على الأرض وخلق وقائع ثابتة.
إدارة الصراع تتطلب مجموعة من الإجراءات الفلسطينية الجماهيرية ومنها إطلاق حملة بناء مكثفة في المناطق المصنفة «ج» والقدس المحتلة.. وتحدي إجراءات الاحتلال، ولنا في تجربة المقدسيين منذ العام 1967 وحتى قبل سنوات مثال واضح، عندما تم بناء آلاف الوحدات السكنية رغم أنف الاحتلال... ولكن يجب أن نحتمل الإجراءات العدوانية الإسرائيلية مثل الهدم الذي قد يطال عشرات المنازل ولكنه لن يطال الآلاف.. وهذا يحتاج الى استثمارات فلسطينية.
من إجراءات إدارة الصراع، الإسراع في إعادة تسجيل الأراضي الفلسطينية في مناطق «ج» وإزالة الشيوع عنها واستصلاحها بكل السبل المتوافرة.
لا بد أيضاً من دور للمجتمع الفلسطيني خاصة الفئة الصامتة وهي الأكبر في رفع الصوت والضغط لإنهاء الانقسام القاتل، أو على الأقل ألا تسيطر آثاره علينا كل يوم. وأن يقبل الجميع بحد أدنى مشترك من التفاهمات الوطنية حتى يعود الصراع الأساسي فيها مع الاحتلال.
إدارة الصراع تتطلب أيضاً إيجاد حلفاء أقوياء في العالم وخاصة في الدول الغربية تحت شعار وقف الاضطهاد والعنصرية، وإحقاق حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، ولجم الاعتداءات الاسرائيلية من خلال تفعيل المقاطعة الدولية، ولنا تجارب ناجحة في هذا المجال.
إدارة الصراع تتطلب التركيز على الوضع الداخلي سياسياً وثقافياً واجتماعياً وإزالة مظاهر التمييز بين فئات المجتمع الفلسطيني والحد من الفساد، حتى نقتنع جميعاً أن هذه الأرض لنا جميعاً لا فضل فيها لأحد على آخر، وأن نقنع شبابنا الفلسطيني بأنهم القادة الحقيقيون لمستقبل ربما يكون أفضل.
الايام
[email protected]
أضف تعليق