يتحدث الرسميون الإسرائيليون كثيراً في الآونة الأخيرة عن مشروع الحل السياسي الذي تريده إسرائيل، وهناك وجهتا نظر في الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو: الأولى تمثل التيار الصهيوني- الديني الذي يقوده وزير التعليم نفتالي بينت وتقول صراحة أن الدولة الفلسطينية قائمة في غزة والضفة المحتلة هي جزء من أرض إسرائيل يجب أن تضم إليها، وفي هذا الإطار يمنح الفلسطينيون حكماً ذاتياً أو إدارة خاصة لشؤونهم بغض النظر عن التسمية، وتبقى كل المنطقة عبارة عن دولة إسرائيل.
ووجهة النظر الأخرى تختلف في بعض التفاصيل ويسميها نتنياهو دولة ناقص، وهذا يعني من وجهة نظره انسحابا إسرائيليا من مناطق (أ) و (ب) وجزء ضئيل من مناطق(ج) مع بقاء السيطرة الأمنية أي الاحتلال قائماً في الضفة في إطار شروط نتنياهو للتسوية وهي: عدم الانسحاب إلى حدود العام 1967، وعدم الانسحاب من غور الأردن أي بقاء جيش الاحتلال على الحدود بيننا وبين الأردن الشقيق، وعدم السماح بأي سيطرة أو سيادة فلسطينية في القدس الشرقية التي تبقى موحدة مع القسم الغربي باعتبارها حسب ادعائه "عاصمة إسرائيل الأبدية"، وبقاء الغالبية العظمى من المستوطنات اليهودية، وبقاء جيش الاحتلال في المرتفعات في الضفة، وعدم السماح بعودة أي لاجئ فلسطيني إلى أراضي دولة الاحتلال، وربما تقييد عدد العائدين إلى المناطق الفلسطينية. وهذا الطرح الأخير لا يختلف كثيراً عن سابقه إلا في كونه يريد التخلص من الفلسطينيين في الضفة وعدم تحمل أي عبء ينتج عن بقائهم في إطار دولة إسرائيل.
وما يوحد الطرحين هو النظر إلى غزة باعتبارها الدولة الفلسطينية القائمة، وهذا يعيدنا إلى مربع التفكير الإسرائيلي القديم – الجديد الذي سمي خطة غيورا آيلاند الذي كان رئيس مجلس الأمن القومي والذي طرح حلاً للصراح يقوم على إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة مع توسيع القطاع في سيناء بإضافة 600 - 1000كم مربع من أراضي سيناء إلى الدولة ومنح مصر أراضي في النقب لخلق تواصل جغرافي مصري مع الأردن، أما الضفة الغربية فيجري تقاسمها وتضم إسرائيل غالبية أراضيها. ويمكن أن يقوم فيها حكم ذاتي وتعود للأردن، والمهم أن تبقى السيطرة الأمنية لإسرائيل، وطبعاً السيطرة على كل مواردها وأرضها وسمائها.
المشكلة أنه في ظل واقع الانقسام الفلسطيني هذا الواقع يتكرس أكثر فأكثر، وتصبح المطالبة بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين مجرد ترداد لشعارات لا يصدقها الواقع على الأرض، حتى أن من يؤيدون الحقوق الفلسطينية باعتبارها حقوقاً ثابتة وغير قابلة للجدل، يشعرون بالضعف أمام الحقائق المؤسفة على الأرض. ولا معنى في الحقيقة لمطالبة الآخرين بالانتصار لنا إذا لم ننتصر لأنفسنا. لقد أضحينا ننفذ برنامجاً معداً بدقة متناهية لشطب حقوقنا ونحن نتصارع على السلطة والامتيازات التي تبدو فتاتاً بالمقارنة مع تحقيق الحلم الوطني في الحرية والاستقلال الناجز. وبغض النظر عن الشعارات التي تطرحها الأطراف الفلسطينية المختلفة سواء التي تحمل لواء المقاومة المسلحة أو المقاومة السلمية والسياسية والدبلوماسية يبدو أن البرنامج الوطني بات غائباً عن أجندة الجميع، والحديث عنه مجرد ضريبة كلامية لتجميل الصورة القبيحة التي بات المواطن يراها في كل لحظة.
حتى ما يجري في قطاع غزة بين الفينة والأخرى من إطلاق للصواريخ والقذائف تجاه الأهداف الإسرائيلية والذي يوصف بأوصاف شتى مبالغ فيها تحول إلى نوع من المناكفة أو اثبات الذات أو وسيلة للاسترزاق عندما تكون هناك دولة مستعدة لتمويل العمليات المسلحة لأهداف تخدمها، وهذا ينطبق على عمليات اطلاق القذائف التي حصلت خلال الأيام الماضية. حتى أن الرد الإسرائيلي هو ليس أكثر من رسالة للرأي العام تقول أن جيش الاحتلال يرد بقوة على كل اطلاق نار من قطاع غزة. وفي الواقع، الطرفان المتحكمان في قطاع غزة إسرائيل وحركة "حماس" لا يريدان التصعيد والدخول في حرب جديدة ولكل منهما أسبابها الخاصة. ولكن هذا لا يمنع التورط في مواجهة إذا ما نجحت بعض الأطراف الممولة في اطلاق عدد من القذائف التي قد تتسبب في خسائر في الجانب الإسرائيلي.
وفي كل الأحوال يبقى السؤال المهم في كل تصعيد أو مواجهة: ماذا بعد وقف اطلاق النار؟. إسرائيل تريد الابقاء على حركة "حماس" كطرف قوي يسيطر على قطاع غزة ويفرض الأمن فيه ويمنع من يحاول الاخلال بمعادلة الردع. وحتى لو كانت بعض الأصوات تطالب بالقضاء على "حماس"، فليس من مصلحة إسرائيل أن تخلق حالة من الفوضى في غزة في ظل عدم قدرة السلطة على تولي زمام الأمور، وليس من مصلحتها أيضاً أن يتوحد القطاع مع الضفة وتصبح الدولة الفلسطينية أكثر واقعية. ومع الاحترام لكل أصحاب الشعارات الجميلة لقد أضحينا أدوات أو لاعبين صغارا في أحسن الأحوال في مخطط كبير لا حول لنا ولا قوة فيه، فهل لنا أن نصحو قبل أن تسرقنا سكين المصالح الصغيرة ونجد أنفسنا ضائعين ومشردين أكثر مما نحن عليه الآن، وفي وضع لا يبقى لنا فيه من الوطن سوى فتات نتصارع عليه؟!!
[email protected]
أضف تعليق