دعا النائب أيمن عودة رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي إلى إقامة جسم يساري ديمقراطي بالاشتراك مع حركة ميرتس الإسرائيلية المعارضة، من أجل التصدي للزحف اليميني. أثارت الفكرة التي طرحها عودة جدلاً وسط أعضاء الكتلة البرلمانية الفلسطينية "في الكنيست" بين مؤيد ومعارض. وأعاد هذا الموقف في الوقت نفسه أزمة المعارضة الإسرائيلية مضعضعة القوة والفعل والتأثير إلى المستوى الذي جعلها لا تختلف في الجوهر عن معسكر اليمين. إن افتقاد المعارضة الإسرائيلية الى برنامج خاص ومستقل ومتمايز عن برنامج معسكر اليمين القومي الديني المتطرف بزعامة نتنياهو، كان السبب الرئيس الكامن وراء هامشيتها. وهذا يعني أن مواقف المعارضة من الاحتلال والاستيطان والعنصرية "التمييز ضد الفلسطينيين ورفض مساواتهم كمواطنين في الدولة "، والسيطرة الكولونيالية على شعب آخر وحرمانه من حق تقرير المصير، تلك المواقف لا تختلف إلا كميا مع مواقف معسكر اليمين. ولأن المعارضة الإسرائيلية تتبنى جوهر مواقف اليمين فإنها لم تخض معارك سياسية وثقافية واجتماعية داخل مجتمع ودولة يتحولان وينتقلان من دولة علمانية الى دولة دينية، ومن ايديولوجيا صهيونية علمانية الى أيديولوجيا صهيونية دينية. وفي غياب حالة الاشتباك مع المواقف العدمية لليمين، فإن تأثيرها على الجمهور وعلى استقطاب الرأي العام وعلى القرار الرسمي الإسرائيلي بدا ويبدو ضعيفاً وهشاً.
المعارضة الفاعلة تقتصر على الائتلاف الحاكم بين الاتجاه الأكثر تطرفاً الذي يقوده بينيت والاتجاه الأقل تطرفاً الذي يضم أحزاب الوسط وجزءاً من الليكود، ويأتي موقع "المعسكر الصهيوني" بزعامة إسحق هيرتزوغ ضمن الاتجاه الأقل تطرفاً في الائتلاف الحاكم، ويحتل دور شاهد زور على التحولات والمواقف الهجومية العدمية.
عندما كان اليسار الصهيوني في الحكم عبر حكومتي "اسحق رابين" و"ايهود باراك" في تسعينات القرن العشرين لم تستطع الحكومتان تمييز مواقفهما عن مواقف معسكر اليمين الصهيوني والقومي والديني إلا قليلا، بقي المعسكران يغذيان بعضهما البعض كتوأم سيامي. فكان من السهل دحر ذلك اليسار المتماهي مع الأصل "اليمين" لمصلحة الأخير باعتباره المعسكر الأكثر انسجاماً وفعالية. وبهذا فقدت ثنائية يسار يمين مبررها الواقعي لصالح ثنائية يمين متطرف ويمين وسط وبقي فراغ اسمه معارضة يسارية دون أن يشغله أحد. وفي غياب معارضة تملك حلولا للتناقضات وبخاصة التناقض الناجم عن الاحتلال وثقافة السيطرة على شعب آخر والتنكر لحقوقه الأساسية نمت وكثرت التشوهات في المجتمع الإسرائيلي وأصبح اكثر تعصبا وعنصرية وانغلاقا على نفسه، أصبحت الحاجة الى معارضة جدية في مواجهة قوى التطرف الديني والقومي التي تحكمه حاجة في غاية الأهمية.
لم يكن من باب الصدفة ان تكون الكتلة العربية في الكنيست التي تمثل السكان الأصليين هي المعارضة الحقيقية داخل وخارج الكنيست، معارضة لا بوصفها مدافعاً عن الحقوق الوطنية والمدنية وحسب، بل وبوصفها مدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي والمواثيق التي تعتبر ناظماً لكل أنواع النضال. هذا الدور المعارض المنسجم، جعل من الكتلة العربية عنواناً للاستقطاب او الالتقاء مع أي معارضة إسرائيلية جدية في مواجهة المعسكر اليميني العنصري. ضمن هذه الشروط كان البحث عن حلفاء إسرائيليين من قبل الكتلة العربية صائباً ويعبر عن حاجة ملحة، وقد جاء اقتراح النائب أيمن عودة لإقامة جسم يساري ديمقراطي بالاشتراك مع حركة ميرتس الاسرائيلية المعارضة، من أجل التصدي للزحف اليميني تجسيداً لتلك الحاجة الملحة. فلا يمكن لمعارضة الأقلية العربية وحدها ان توقف الزحف اليميني، كما ان اي معارضة إسرائيلية حقيقية لا تستطيع القفز عن المعارضة العربية وتجاهلها كما فعلت وتفعل المعارضة التقليدية الإسرائيلية. ثمة حاجة متبادلة راهنة واستراتيجية بين المعارضين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا يقلل من أهمية اقوال عودة ان الفكرة لم تطرح للنقاش في إطار الكتلة يصار إلى بلورتها وتطويرها وتحويلها الى قرار. ان الذين اعترضوا على النائب عودة من داخل الكتلة لأنه لم يتشاور مع مكوناتها، فهذا الاعتراض صحيح، مع انه من حق رئيس الكتلة ان يطرح أفكاراً لا ترقى الى مستوى قرارات. فالأفكار شيء والقرارات شيء آخر. أما الذين يرفضون مبدأ التحالف مع ميرتس في هذه اللحظة السياسية فمن الصعب ان يقنعوا الكثير من الناس. من قال ان تحالف الكتلة مع ميرتس سيكون بشروط ميرتس او بشروط متناقضة مع مصالح الجماهير العربية. ومن قال ان اي تحالف جديد سيكون على شاكلة التحالفات السابقة وبخاصة نموذج ومآلات التحالف مع الفهود السود، او تحالف قائمة عير لكولانو في تل ابيب او قائمة كامبوس لكولانو في الجامعة العبرية. التحالف يصنعه طرفان وليس طرف واحد وستكون القائمة العربية مسؤولة عن كل شرط وكل بند من بنود التحالف وتطبيقاته. التحالف قد يكون تكتيكيا حول قضايا صغيرة وقد يكون استراتيجيا حول قضايا كبيرة وما بين القضايا الكبيرة والصغيرة. ولا يعقل ان يتم وضع شروط مانعة قاطعة مسبقة تحول التحالف من قضية سياسية وديمقراطية الى أيديولوجيا. التحالف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معركة سياسية متداخلة حول منظومة القوانين العنصرية، والقانون الدولي، وترخيص أو هدم المنازل، والميزانيات، والمواطنة، والاحتلال والاستيطان ونهب الأرض الفلسطينية، والاعتقال الإداري، والأحكام بالاستناد الى قانونين، ومناهج التعليم، والثقافة وغير ذلك كثير. ان التقاطعات والاتفاقات بين فلسطينيين وإسرائيليين تؤدي او لا تؤدي إلى تحالف مؤقت او متوسط او دائم . قد يساعد نموذج الالتقاء بين مواقف وأطروحات وعمل منظمات حقوقية إسرائيلية والمطالب الفلسطينية نموذجا للتحالف او العمل المشترك بين طرفين. ان مخاوف النائبة حنين الزعبي على مصير القائمة المشتركة مشروعة، إذا كان ثمن التحالف مع ميرتس هو فرط القائمة المشتركة او إضعافها او إذا كان على حساب اي طرف من أطرافها. غير ان ما طرحه النائب عودة هو تكبير معسكر المعارضة الديمقراطية لا تصغيره، وفي كل الأحوال فإن قرار التحالف ستقرره المشتركة وربما لجنة المتابعة العربية وليس طرف واحد منهما.
ان نماذج التحالفات السابقة في إطار حزب واحد (الحزب الشيوعي)، او جبهة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ) او (تحالف السلام ) واتفاق جنيف، وتجربة السلطة الفلسطينية مع "شركاء السلام الإسرائيليين"، هذه التجارب الفاشلة لا أحد يقبل بتكرارها.
المصدر: الأيام
[email protected]
أضف تعليق