لا شك في أنه اَن الأوان لمناقشة خطة عمل وطنية شاملة تساهم في تحصيل حقوقنا المدنية والقومية والوطنية وتضمن تغيير الخطاب العنصري اتجاه مجتمعنا وشعبنا. ولكننا قد نتفق أو نختلف على أن خطة العمل يجب ألا تقتصر على المجتمع العربي، وأن عليها أن تنطلق من مجتمعنا لمخاطبة المواطن اليهودي لتحرره من نفسية الاستعلاء القومي والطبقي وتجنده ضد الاحتلال والتمييز وغلاء المعيشة وأسعار المنازل وجميع مناحي الحياة التي يعاني منها المجتمع العربي منذ عقود.

وعلى ما يبدو فإن المجتمع الدولي يتابع قضايانا في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق ما يُحتّم علينا مخاطبة الرأي العام وحكومات العالم لتناصر قضايانا العادلة وتطرحها في حواراتها المحلية والإقليمية والاقتصادية والسياسية كافة. ولكن - برأيي - هذا لن ينهي، وليس هدفه أن ينهي، السجال حول زيارة السيد أيمن عودة الأخيرة للولايات المتحدة.

ومما لا شك فيه، وكما وثقت صحيفة كل العرب في العام 2010، فقد كان الدكتور سامي ميعاري الباحث والمحاضر الجامعي أول من طرح الأُسس لخطة اقتصادية كاملة تشمل جميع المهنيين وجميع المجالات وكان حسب تقديراته أنه يتوجب على الدولة استثمار 64 مليار شيقل من أجل سد الفجوات مع المجتمع اليهودي ونادى جميع مؤسسات المجتمع المدني، ولجنة المتابعة من أجل رفع قضايانا لمنظمة التعاون الاقتصادي قبل دخول إسرائيل فيها، وإن محاولة السيد أيمن عودة تغييب دور أكاديمي في هذا السياق يعد غير مهني وغير مسؤول.

من المفهوم ضمنًا أن كل السياسيين العرب، بصرف النظر عن مواقعهم كأعضاء كنيست أو كرؤساء سلطات محلية أو غيره من المواقع، يتوقون إلى تحسين الظروف المعيشية للجماهير العربية بالداخل، ولكن، السؤال المطروح هنا: هل أفعالهم وأقوالهم وخطواتهم تتماشى مع أمنياتهم؟

بمقالي هذا أسعى لتسليط الضوء على الجانب الاقتصادي من خطة العمل الشاملة المطلوبة وأبحث عن دور قائد المسيرة بتسيير الأمور اتجاه برنامج يرتقي إلى تطلعات شعبنا وحقه في الحياة الكريمة ورغد العيش.

كتب السيد أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 10/9/2015:

" نحمل هموم الناس اليومية إلى جانب القضايا الوطنية الكبرى.

بادرنا للقاء بين وزير الاقتصاد أريه درعي ووزيرة المساواة الاجتماعية غيلا غمليئل مع رؤساء السلطات المحلية، وهذه أوّل مرة يجيب بها وزير في المقر الرسمي للجنة الرؤساء العرب، وأصرينا على مشاركة إدارة المدارس الأهلية.

نواصل مسيرة بدأها الأولون، لن تتحقق المطالب دفعة واحدة، ولكننا نعد بكل إخلاص ألا نكلّ ولن نملّ حتى تحقيق الإنجازات تراكميًا".

النشر أعلاه يلخّص، برأيي المتواضع، أداء السيّد عودة بالقضايا الاقتصادية، ويمكنني أن أشير إلى العديد من الأخطاء التي قام بها عودة والتي ستمنعنا من رؤية تغييرات اقتصادية جذرية بفترته:

التعويل على التطوير الاقتصادي كجزء من الحقوق المدنية دون الحد الأدنى المطلوب من الإلمام بالمصطلحات والموضوعات الاقتصادية، والحديث عن "برنامج العقد" دونما وضع أساسته حتى، يعتبر خطأً استراتيجيًا. بمعنى أن يتبنى القائد مشروعاً، أقل ما يقال بحقه إنه مشروع وطني ضخم، دون أن تكون لهذا المشروع ملامح أساسية وفكرة أولية توعز إلى المهنيين لبلورتها لبرنامج عمل متكامل، هو بمثابة ذر الرماد بعيون الشعب.

ومن المؤسف أن الوفد المفاوض لم يستخدم أُسس الخطة ولكن (ومن التناقضات كذلك) أن نرى السيد عودة يستخدم بعض الأرقام التي استخدمها الدكتور ميعاري مثل ال 64 مليار دون الإشارة إلى مصدرها أو أدنى توثيق لمرجعها وهو الدكتور سامي ميعاري كما جاء في مقابلة له على موقع ( بكرا) ، أو حتى ذكر من كان لهم دور أساسي ببلورة الخطة البديلة التي كانت قاعدة للتطوير الاقتصادي, وكان لي فيها حصّة كبيرة

الخطأ التالي هو عدم دمج القائد نفسه بمواقع اتخاذ القرارات الاقتصادية (والحديث هنا عن الأماكن التي يستطيع أن يتواجد بها لو أراد). وأتساءل: كيف، لمن خرط على علمه التطوير الاقتصادي، أن لا يكون عضواً بلجنة المالية التي تعد القناة التي تمر عبرها كل أموال الدولة وبها تتخذ القرارات الاقتصادية الحاسمة؟

بينما الدور الذي يقوم به عضوا الكنيست الدكتور أحمد الطيبي والدكتور باسل غطاس هو ريادي ومؤثر جداً في عديد من القضايا الاقتصادية التي تصب في مصلحة المواطن العربي.

"الغلطة الكبيرة" للسيّد عودة هي إعطاء مقود إدارة "الصراع" للسلطات المحلية التي كل ما تعرفه هو هبات الموازنة، والتي بدورها أبعد ما تكون عن التعريف "رافعة اقتصادية"، وأيضًا تجعل من وضع السلطات المحلية العربية المتأزّم مزريًا إلى ما شاء الله...

وهنا يجدر التنويه – وبدوري كشخص حضر العديد من جلسات المفاوضات- إلى كثرة المغالطات والأخطاء . فعلى سبيل المثال لا الحصر:

كيف يمكن لوفدنا العربي المفاوض برئاسة السيد أيمن عودة أن يرضى التفاوض على خطة أعدتها الدولة دون التحضير المسبق جيداً بشكل مهني لتلك المفاوضات ؟

تغيبت الاحزاب السياسية، وعلى رأس الهرم يقف السيد عودة، عن تنظيم الجماهير العربية في المعركة على الحقوق الاقتصادية. وأصبحت المعركة معركة السلطات المحلية العربية بدعم من أعضاء الكنيست على الرغم من أهمية الدور الموجه والقيادي للأحزاب التي تمثل الجماهير العربية. وغياب، وفي بعض الحالات التغييب المقصود، للقائد وللأحزاب والتي من المفروض أن تستند إلى قيمها ومشروعها الفكري (وأضيف لكل هذا غياب لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والتي تعاني هي الاخرى من أزمة رؤيوية وبنيوية).

تتطلب المرحلة الحالية من القائد بلورة خطة اقتصادية حقيقية وشاملة (بالتعاون مع أعضاء الكنيست والسلطات المحلية والمجتمع المدني ومهنيين)، وعليه أن يعي المواجهة المتوقعة مع مؤسسات الدولة والسياسة الحكومية الغير منصفة ومخططاتها للتطوير الاقتصادي المحدود للمجتمع العربي. هذه الخطة بحاجة لقائد يعرف جيدًا كبر الساعة وحجم المسؤولية، وهنا أدعو السيّد السيّد عودة باعادة بلورة المنظومة.

وفي النهاية:

من خلال الاجتماعات التي شاركت بها لمستُ بوضوح أن همّ الوفد العربي المفاوض كان مُنصباً على كيفية تمرير وتسويق الخطة لدى المجتمع العربي وتقديمها على أنها إنجاز كبير لهم ولو أن عودة وغنايم تعاملا بمهنية واحترافية كاملة بتلك الخطة لكانت النتائج أفضل بكثير مما هي عليه الآن..

وكان المؤتمر الأخير في الناصرة هو المحفل الكبير لتسويق تلك الخطة ونختتم بالتساؤل:

كيف لمؤتمر أن ينعقد بوجود السيد أيمن عودة دون مشاركة خبير اقتصادي محترف يدلي بدلوه في ذلك المضمار؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]