توّجت مدرسة المتنّبي في حيفا ظهر اليوم فعاليات الزيت والزيتون _كقيمة تراثيّة وحضاريّة تتجذّر عميقًا في وجداننا على مرّ التاريخ_ بغرس أربعة أشجار زيتون بحضور طلّابها، هيئتها الإداريّة، التربويّة والتدريسيّة بالإضافة للفيف من الشخصيّات التربويّة والمجتمعيّة وفي مقدّمتهم د. سهيل أسعد عضو البلديّة، موفّق زبيدات، جمانة اغباريّة همّام من جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، ماجد خمرة مدير طاقم النهوض بالتعليم العربيّ، سوزي خوري عن ملجأ النساء، الشيخ فلاح عودة عن الجماعة الإسلاميّة الأحمديّة والشيخ رشاد أبو الهيجاء. 

وقد حملت كلّ شجرة من الشجرات الأربع المغروسة قيمة معيّنة تطمح المتنبّي لتذويتها ونشرها وقد عبّرت رقيّة عدوي _مدرّسة اللغة العربيّة_ عن تلك المعاني في كلمة ألقتها باسم الهيئة الإداريّة والتدريسيّة، جاء فيها: 

تحيّات يسيل منها زيت الزيتون وبعد، جئتُ اليومَ لأحكيَ لكم حكايةً كُتِبَت بماء الذهب، يُحكى أنّ التاريخَ قد وقعَ في حُبِّ الجغرافيا فأنجبا حيفا التي صارتْ لحنًا لأُغنيةٍ كتبُوها بماء الذهب...ويُحكى كذلك عن نجمةٍ فضّيّة هَوَت من السماء فتلقفَتها الأرضُ واحتضنتها بين شارع المطران حجّار وشارع عبّاس بجانب الدوّار وممرّ المشاة حيث العشب الطالِع من الصخر والجدار... هناك فقط تُشبهنا الأشياء ونُشبهها...

وكان فجر المتنبّي التي تغرسُ اليوم زيتونتها الأولى لتقول بملء الفمّ وعالي الصوت:" هنا بزغ فجر فلسفةٍ نُؤمن بها، هنا نتكاتف معًا، هنا لهفتنا المجنونة وبهجة الأشياء الأولى... فالزيتونة الأولى تحمل اسم المتنبّي فكرةً ومدرسةً، إيمانًا ورسالةً تحْمِلُنا من ساعات الفجر الباكر إلى ساعات ما بعد الظهر.

لم يسقُطَ المعولُ بعدُ يا أحبّتي وللحكاية بقية، فالأرضُ ستحبَلُ بالكثير من الزيتون وعصا الراعي والزعتر والأقحوان... زيتونتا الثانية ستحمل شعارًا هو بوصلة دربنا... شجرة المحبّة والوفاء لذكرى فقيدة المدرسة، عنقود العنب الذي لم يختمر بعد ولم يُعتّق كما يليقُ به، ستُغرس لذكراها في صدر مدرستنا ولن يصير الزيتُ دمعًا يا درويش هذه المرّة فنحن منْ سيغرس هذه الشجرة المباركة... وهي تُدرك ذلك جيّدًا...
أمّا شجرتُنا الثالثة فهي شجرتُك... شجرة حوّاء؛ لأنّ الزيتونة هي أنثى والحياة هي أنثى، ولأنّ الضحكة هي أنثى والمدرسة أُنثى، ولأنّ السعادة أنثى والبسمةُ أُنثى، ولأنّ الرجلَ لا يكون رجلًا إنْ لم تصنعه الأُنثى فالوجود كلّه مرهونٌ بوجود الأنثى...
أشهرَ الحقدُ سكينَهُ بوجه هذه الأنثى؛ فاغتال الجديلة الذهبيّة والضحكة اليتيمة واغتصب السعادة، فعتّم الوجود واسوّد بعباءة الإرث الجاهليّ المتخلّف لينال في عتمة الليل البهيم من كلّ هذه الحياة... لينتقمَ لشرفٍ هو أوّل من أنتهكه وآخر من يحقّ له أنْ ينطق بأبجديّة هو العارُ الأوّل والأخير عليها...
من هنا نقولها وبصوت عالٍ:" لا شرف لقاتل ولا مروءة لحاقد يتربّص بأنثى تُريد الحياة... فمن أنت لتسلب هذه الحياة وتغتصب الروح؟!".
نغرسُ اليوم زيتونة لذكرى نساء عربيّات كانت جريمتهنّ أنّهن أحبّبن الحياة ذات يوم، فلم يحالفهنّ الحظّ ولم يَرُق ذلك لذكور القبيلة... لذكرى نساءنا وحبيباتنا خاصّة النساء اللاتي قُتلن مؤخّرًا ... لأرواحكنّ كلّ المحبّة والسلام... عاشت نون النسوة وتاء التأنيث... عاشت حوّاء تبثُّ الأملَ والحياةَ في كلِّ المعمورة وأرجاء الوجود. 

أمّا الفصل الأخير يا أحبّتي من حكاية المتنبّي لهذا اليوم فهي عن شابٍ ريّان الشباب، غضّ الإهاب تبدو عليه ملامح النجابة وبواكير الرجولة. شابٌّ جميلٌ أحبّ الحياة فكانت تليقُ به كثيرًا... غافلنا هذا الشابُّ وعادَ إليْنا ملفوفًا بثيابِ الدمّ بعد أنْ نالت منه سكاكين الغدر وسياط العنف.
الموت في الحياةِ سرق منّا هذا الشابّ الذي أراد أن يموت في الفيلم فصارت الحياة فيلمًا عبثيًّا... "فيا رهبة القاتِل من بأْس القتيل! ".
إنّه محروس الشابّ الجميل الذي أحبّته حيفا، فظلموه لتُنصفه أرضُك سخنين... محروس كان هنا بيننا في مدرسة المتنبّي يكتبُ حكاية أُخرى من حكاياتٍ مختلفةٍ لا تُشبه حكاياتنا عنه ولا عن العشب الطالع من الصخر والصوّان... فصارَ مع الوقتِ هو كلّ الحكاية وكلّ الرواية... محروس هنا ضحِكَ وهنا درَسَ... هنا أحبّبْناه وأحبّنا كثيرًا... وهنا نُحيي كلّنا ذكراه. محروس يا طالبي الذي لم أُدرّسْهُ درسًا، فسمعتُ عنك... محروس أيّها الشابّ النبيل الذي لم ألتقِ به يومًا... لروحك كلّ الوفاء والسلام وانحناءة لصبر والدك ودموع والدتك...

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]