ميشيل حنا الحاج
اليوم سيختار الاميركيون رئيسا جديدا لهم. لكنه اختيار عسير على الكثيرين منهم. فليس هناك رضاء تام عن المرشحة هيلاري كلينتون، كما أن المرشح المنافس لها وهو رونالد ترامب، لا يلقى ترحيبا حارا به.
وعدم الرضاء عن المرشحة كلينتون، مرده موقفها من القضايا السياسية والدولية خلال عملها كوزيرة للخارجية في مرحلة الرئاسة الأولى للرئيس أوباما. وقبل ذلك، لم تكن هناك مباركة لمواقفها السابقة على ذلك، عندما كانت عضوة في مجلس الشيوخ. اذ باركت قرار الرئيس بوش الابن بغزو العراق، والقت العديد من الخطابات المؤيدة لعملية الحرب على العراق. وكان صوتها في مجلس الشيوخ، هو الصوت الواحد والخمسين الذي رجح اقرار مشروع تلك الحرب التي عادت بالوبال على الشعبين العراقي والأميركي في آن واحد.
فالعراقيون قد عانوا كثيرا من ويلات الحرب، وسقط منهم بسببها ما يقارب المليون شهيد. كما كان وبالا على الولايات المتحدة ، اذ تسبب بخسائر اقتصادية جمة، كان من بينها افلاس واغلاق العديد من البنوك الأميركية مما أفرز كارثة اقتصادية للولايات المتحدة.
أما دونالد ترامب، فان انتخابه سيعود ببلاء أكبر على الولايات المتحدة. فاضافة الى كونه يزمع الغاء ما أقره الرئيس أوباما من منافع صحية للمواطنين، يعلن ترامب عن رغبته في منع المسلمين من القدوم الى الولايات المتحدة، كما يعادي الأميركيين من أصل افريقي (أي الأميركيين السود)، ويزمع أيضا بناء سور على الحدود مع المكسيك للحيلولة دون تسلل المكسيكيين الى الأراضي الأميركية، كما يرغب بطرد أحد عشر مليون انسان متواجدين على الأراضي الأميركية بطريقة غير شرعية، والعدد الأكبر من هؤلاء هم مكسيكيون، أو من أصل اسباني وقادمين من دول أميركا اللاتينية، مما يجعل المرشح ترامب، مرفوضا من الأميركيين من أصل اسباني، أو من أصل أفريقي، اضافة الى الأميركيين العرب وغالبيتهم من المسلمين.
ونتيجة هذه المواقف المتزمتة الطائشة والمتسرعة من قبل المرشح دونالد ترامب، مع عدم الرضاء أيضا عن المرشحة كلينتون نتيجة سلوكها الطائش وتحريضها على الحرب، وجد الأميركيون أنفسهم، أمام خيارين كل منهما صعب وغير مضمون النتائج. فكأني بهم يقفون بين خيارين، أحدهما هو الكوليرا، والآخر هو الطاعون، وكلاهما مر المذاق وغير مرضي، وقد يعود بمزيد من البلاء على الولايات المتحدة.
ويذكر موقف الناخب الأميركي في هذه الانتخابات، بموقف الناخب المصري في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2012 . فالناخب المصري آنئذ، قد وجد نفسه أمام خيارين كلاهما مر المذاق. فأحد المرشحين لرئاسة الجمهورية المصرية كان الدكتور محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين غير المرغوب بهم من الشعب المصري، وكان المرشح المقابل المنافس الدكتور أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق، نظام الرئيس حسني مبارك، والذي قامت بعد ستنة من توليه السلطة، ثورة شعبية كبرى سعيا لاسقاطه عن كرسي الرئاسة. وهكذا بات الناخب المصري أمام خيارين أحدهم له مضار الكوليرا، والآخر كان له مضار الطاعون المؤكد كونه سيقود لموت الكثيرين بسرعة البرق.
وهكذا اضطر المصريون آنئئذ لاختيار الكوليرا، رغم كونها وباء قد يكون ضارا، مفضلين اياه على الطاعون الذي كان شفيق يمثله، مما أدى قيام الكثيرين من غير المؤيدين لمرسي بانتخابه، مما أدى الى فوزه بالرئاسة المصرية. والكل يعلم ما آل اليه انتخابه من محاولته أخونة كل المصريين وفي مرحلة قصيرة، مما أدى الى انتفاضة ضده بعد عام من انتخابه، تمثلت بمظاهرات ملتهبة شارك فيها أكثر من ثلاثين مليون مواطن من أصل تسعين مليون مواطن من بينهم من هم قاصرون وصغار السن. وهذه الانتفاضة الكبرى، اضطرت القوات المسلحة، الاستجابة لنداء الجماهير، والقيام بعزل الرئيس مرسي عن سدة الرئاسة.
لكن الأمر في الولايات المتحدة يختلف تماما عن الوضع في مصر. فاذا افرزت الانتخابات رئيسا لم يرض عنه الشعب، لن يكون هناك تدخل من القوات المسلحة الأميركية لعزله مهما كانت مساوىء الرئيس المنتخب. ومن هنا قد تقع الطامة الكبرى اذا ما انتخب دونالد ترامب، المتهور جدا في أفكاره. ولذا تبقى هيلاري كلينتون، رغم كل مساوئها، أفضل حالا للأميركيين من ترامب. وقد يقف في صالحها كونها ستصبح المرأة الأميركية الأولى التي تصل الى مقعد الرئاسة. فالأميركيون الذين جاءوا قبل ثمانية أعوام للمرة الأولى، بأميركي من أصل أفريقي الى مقعد الرئاسة، هو الرئيس أوباما، قد يجدون الآن الفرصة ملائمة للاتيان بسيدة لرئاسة الجمهورية الأميركية رغم كونها قد تحمل وباء الكوليرا معها.
وكان الأميركيون حتى بدايات القرن الثامن عشر، ينتخبون عمليا كلا المرشحين المتنافسين. فالحاصل على أعلى الأصوات، يصبح رئيسا للدولة الأميركية، والمرشح الذي يفوز بالعدد الأقل من الأصوات، يصبح نائيا للرئيس. لكن هذا النظام تم استبعاده لاحقا، والاستعادة عنه بنظام الكلية الانتخابية التي تقرر المرشح الفائز، لكونه قد حصل على الأصوات الكافية لارسال عدد أكبر من المندوبين الى الكلية الانتخابية التي يقرر أعضاؤها الأكثر عددا ويمثلون أحد المرشحين، من هو الرئيس الفائز من بين المرشحين المتنافسين. وقد تم العدول عن النظام السابق الذي يعتمد الاقتراع المباشر من قبل الناخب لتحديد الفائز بموقع الرئاسة، والفائز بموقع نائب الرئيس، الى كون الانتخابات الرئاسية في احدى السنوات، قد أفرزت أصواتا متساوية تماما لكلي المرشحين، مما وضع الدولة في حيرة. فأيهما يكون رئيسا، وأيهما يكون نائبا للرئيس. وهكذا تم تعديل النظام الانتخابي من اقتراع مباشر للناخبين لتحديد الرئيس الذي يختارونه، الى الاقتراع غير المباشر، الي يحدد عدد المندوبين الموالين لهذا المرشح أو لذاك، يذهبون بعدها الى الكلية الانتخابية ويسمون الرئيس المنتخب.
ولعله من حسن حظ الشعب الأميركي أن هذا النظام قد ألغي، والا كان المواطن الأميركي قد وجد نفسه في هذه المرحلة وقد انتخب الوبأين المدمرين معا، ليكون الكوليرا رئيسا والطاعون نائبا للرئيس، وفي ذلك ما فيه من انتشار الأوبئة في بلادهم. وعندها تقف الكوليرا الى جانب الطاعون، وهات يا ابليس، احصد ما تشاء من ضحايا الأوبئة المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
صواتا متساوية تماما لكلي المرشحين المتنافسين مما وضع الدولة في حيرة، اي منهما يكون الرئيس وأصواتا >
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.
[email protected]
أضف تعليق