عبد الباري عطوان

نحمد الله ان اكثر الانتخابات الرئاسية الامريكية فحشا وفضائحية ومللا اوشكت على الانتهاء.. لن نختار السيء بل الأسوأ.. ولا نستبعد فوز ترامب.. واليكم بعض اسبابنا

لا اخفي مطلقا مشاعري غير الودية تجاه “المؤسسة” الامريكية الحاكمة بشقيها الديمقراطي والجمهوري، لانني اعتبرها المسؤول الأول عن كل الحروب والفوضى الدموية التي اجتاحت، وتجتاح المنطقة طوال الخمسين عاما الماضية على الاقل، ولهذا لا اعلق أي آمال على الانتخابات الرئاسية الحالية، واعتبرها الأكثر ملللا وهبوطا لما اتسمت به من تحرش وبذاءات سياسية وجنسية وشخصية، تعكس سمات حكام هذه الدولة العظمى القدامى والجدد، ومنظومة قيمها الأخلاقية، ولذلك انتظر بفارغ الصبر انتهاء هذا السيرك الذي يشغل العالم باسره.
اليوم نجد انفسنا كعرب امام مرشحين اثنين يتفقان على كراهيتنا وابتزازنا وفرض “الجزية” علينا، واغلاق الأبواب في وجوهنا، والتهديد والوعيد بالمزيد من التدخلات العسكرية في شؤوننا، وحلّب آخر دولار في خزائننا، ومن المؤسف والمؤلم ان من بيننا من يرضخ لهذا الابتزاز، ويوظف امكانياته وقواعده في خدمة هؤلاء الأعداء.
***
دونالد ترامب المرشح الجمهوري يريد إعادة عظمة امريكا مجددا، ولكن على حسابنا، ويرى اننا لا نستحق الديمقراطية، ولا الاحترام، ولا حقوق الانسان، ولا الهجرة، او حتى الزيارة للولايات المتحدة، اما منافسته السيدة كلينتون فإنها تتباهى بصداقتها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتدخلها العسكري الذي حول ليبيا الى دولة فاشلة عندما كانت وزيرة الخارجية، ولا تظهر أي ندم على قتل زعيم عربي، وبتشجيع منها، والتمثيل بجثته، والاعتداء عليها جنسيا بطريقة وحشية مقززة، فلا حرمة للموت لدى هؤلاء، خاصة اذا كان الموتى عربا ومسلمين.
هيلاري كلينتون التي زارت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جباليا بقطاع غزة، بصحبة زوجها اواسط التسعينات، وبكت عندما اطلعت على معاناتهم وظروفهم المعيشية الصعبة، أصبحت من اكثر الداعين لدعم الاحتلال الإسرائيلي، وسلفها باراك أوباما، الذي توسم بعض العرب فيه خيرا، بسبب لون بشرته، وانتمائه الى اقلية افريقية عانت من التمييز العنصري على ايدي السيد الأبيض، سيدخل التاريخ على انه اكثر الرؤساء الأمريكيين سخاء في ضخ المساعدات المالية لدولة الاحتلال، ورفعها الى حوالي أربعة مليارات دولار، أي بزيادة مقدارها 700 مليون دولار سنويا.
اما المرشح الجمهوري دونالد ترامب فقد “بشرنا” بأنه سينقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس المحتلة، وسيطالب دول الخليج بتسديد ثمن حمايتها أمريكيا وبأثر رجعي، والوقوف خلف قانون “جاستا” الذي يعطي آلاف الأمريكيين حق مقاضاة المملكة العربية السعودية باعتبارها دولة ترعى الإرهاب، وطلب تعويضات مالية ضخمة منها بسبب مسؤوليتها الأكبر عن احداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا يمكن ان ننسى مطلقا ان حزب ترامب هو الذي غزا العراق، وحاصره لاكثر من 13 عاما، وقتل اكثر من مليون من اطفاله جوعا ومرضا.
لن نغرق في مستنقع التحليلات، ولن نشغل انفسنا بمتابعة استطلاعات الرأي، فالنتائج ستظهر بعد ساعات، ولا يضيرنا الانتظار، فلسنا من بين المتلهفين، او الذين يفضلون هذا المرشح او ذاك في هذا العرض المسرحي الهابط على كل المستويات.
لا نثق بكلينتون، هذه الثعبان التي تغير جلدها وفق تعاليم اللوبي اليهودي، وتكتنز مخزونا من السموم لمنطقة الشرق الأوسط، ولا نرجو خيرا من رجل مثل ترامب ينضح عنصرية وغرورا ودجلا، ضحاياهما نحن العرب والمسلمين، والحلقة الأضعف والاغبى في العالم، عبيد السيد الأمريكي الذي يتلذذ بعضنا باهاناته، وحروبه، وتدميره لبلداننا، وقتله لاطفالنا.
***
بعد اقتراب هذا المقال من نهايته، ربما ما زال بعض القراء يتوقع إجابة منا تفضل مرشحا على آخر، او نختار بين السيء والاسوأ، ورغم اننا نتجنب دائما الإجابة على مثل هذه الأسئلة الافتراضية، فاننا لا نفضل، انما لا نستبعد، المفاجأة وفوز المرشح الجمهوري ترامب، لان المؤسسة الحاكمة لا تريده ان يفوز بسبب تمرده عليها، ومحاربته لها، ورغبة قطاع عريض من الأمريكيين حدوث تغيير، أي كان هذا التغيير، لكسر الرتابة، والبحث عن الجديد، ولان السيدة كلينتون متصنعة، ثقيلة الدم، ولا توحي بالثقة والاطمئنان لدى الكثير من الناخبين.
لا يهمنا من يفوز، وانما ما سيحدث بعد الفوز، ولا نستغرب اذا ما شهدت أمريكا مرحلة من الاضطرابات في حال فوز المرشحة المفضلة للمؤسسة الحاكمة، أي هيلاري كلينتون، لان ترامب هدد بأنه لن يعترف بالنتائج الا في حالة فوزه، وسيحرض أنصاره على الثورة، واذا صدقت هذه البنوءة، سيعرف الامريكيون خطورة الفوضى وعدم الاستقرار التي زرعت حكوماتهم بذورها، ورعتها، في العالمين العربي والإسلامي، وما زالت.
حتى تظهر النتائج فجر الأربعاء سيكون لنا حديث آخر عن السيناريوهات المتوقعة للرئيس القادم في منطقتنا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]