تحديات داخلية وخارجية صعبة يواجهها اردوغان.. وحملة الاعتقالات التي طالت قادة المعارضة ونوابها ورجال الاعلام تتزامن مع تهديدات البغدادي بأعمال عنف وارهاب في العمق التركي.. ماذا يجري في تركيا وماذا ينتظرها؟

كان من المفترض ان يكون الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المستفيد الاكبر من “ثورات” الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العربية عام 2011، واطاحت بأنظمة ديكتاتورية، ابتداء من تونس وليبيا، ومرورا بمصر وانتهاء باليمن، لان القوى الاسلامية، وحركة الاخوان المسلمين على وجه الخصوص، كانت العمود الفقري فيها جميعا، وشكلت البديل للانظمة التي جرى تغييرها، وبالفعل فازت في انتخابات نزيهة شفافة في مصر، والمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، وتزعمت الترويكا الحاكمة في تونس، ونجحت في ان تكون صانع الملوك في اليمن، ولكن يبدو ان المفترض شيء والواقع شيء آخر.

بعد خمس سنوات من هذه الثورات التي جاءت اساسا من اجل الديمقراطية، وحقوق الانسان، واحترام الحريات، تبخر حلم الرئيس اردوغان، ولو جزئيا، وبات يواجه باتهامات من حلفائه في امريكا واوروبا بالديكتاتورية وقمع الحريات، بسبب حملة الاعتقالات الشرسة التي اقدمت عليها قوات امنه، وشملت نوابا، وزعماء معارضة، ومواطنين عاديين، ونشطاء سياسيين، وصل عددهم الى 35 ألف شخص والتحقيق مع 82 ألفا، حسب وزير العدل العدل التركي بكر بوزداك، اما بتهمة الارهاب ودعمه، او التعاطف مع الانقلاب العسكري منذ شهر تموز (يونيو) الماضي.
اليوم السبت اعتقلت قوات الامن التركية تسعة صحافيين من صحيفة ” جمهورييت” المعارضة، وقبل يومين اعتقلت جميع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي، ثاني اكبر احزاب المعارضة التركية، وشملت الاعتقالات رئيسا الحزب، صلاح دمرتاش والسيدة فيفان يوكسيك، وما يقرب من عشرة من نواب الحزب.

حزب الشعوب الديمقراطي، الممثل في البرلمان، وصف حملات الاعتقال هذه بأنها نهاية للديمقراطية في تركيا وعودة الى الديكتاتورية، ولكن وسائل الاعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية تبرر هذه الاعتقالات بأنها تأتي حماية لها، وفي اطار محاربة الارهاب، لان حزب الشعوب الديمقراطي يؤيد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه الحكومة على قائمة الارهاب.
وضع الرئيس اردوغان بات اكثر حراجة من قادة الانظمة العربية التي حرض شعوبها على الاطاحة بها، فسجونه تزدحم حاليا بأكثر من 35 الف معتقل معظمهم بتهمة التورط في عملية الانقلاب الاخيرة، التي قيل ان الداعية التركي فتح الله غولن حليف اردوغان السابق يقف خلفها، كما جرى فصل اكثر من مئة الف شخص بالتهمة نفسها بعضهم قضاة واكاديميون.

ولعل الخطر الاكبر الذي يواجهه الرئيس اردوغان وحزبه وحكومته الدعوة التحريضية التي اصدرها امس الاول ابو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “الدولة الاسلامية”، وطالب فيها انصاره وعناصر دولته بغزو تركيا، وتنفيذ عمليات ارهابية فيها لخذلانها السنّة وتحالفها مع الصليبين، وتبنيها نظاما علمانيا.

وسائل التواصل الاجتماعي تزدخم بالانتقادات والاتهامات بالديكتاتورية والقمع الموجهه الى الرئيس اردوغان وحكمه، والحكومات الغربية، وعلى رأسها الحكومة الامريكية، بدأت تعبر عن قلقها الشديد تجاه تراجع الحريات وقيم الديمقراطية في تركيا، وهي القيم التي تقف خلف حالة الازدهار الاقتصادي الذي عاشته وتعيشه البلاد، وهؤلاء هم حلفاء تركيا، وهم زملاؤها في حلف الناتو.

تركيا الرئيس اردوغان تعيش ظرفا حرجا للغاية، حيث تحيط بها الصعاب والحروب والارهاب من كل الجهات، بينما يتراجع الاقتصاد والاستقرار اللذان هما ابرز انجازات حزب العدالة والتنمية.

مراقبون غربيون واتراك يتوقعون بربيع تركي زاحف، وبدأت ارهاصاته تتجمع في الافق، وبصورة اقوى من نظيراتها في العواصم العربية المذكورة آنفا، هل بدأ السحر ينقلب على الساحر؟
لا نريد لتركيا غير الاستقرار والامن والازدهار، وتجنب كل عوامل التفكك والانهيار والفوضى الدموية، التي جاءت كنتيجة للربيع العربي حتى الآن.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]