تدرّس اسرائيل في مناهجها التعليمية لطلاب التوجيهي، دروس حرب "الغفران"، وتؤكد بأن التهديد باستخدام السلاح النووي خلال الحرب، ضد المنشآت العربية الحيوية مثل سد أسوان. ومن هنا نلحظ إجماعاً صهيونياً على ضرورة تحطيم سوريا، وليس بالضرورة من خلال حرب طاحنة مع إسرائيل. فالعرب كما تراهم إسرائيل، ليس فقط قادرون على تفويت الفرص بل قادرون أيضاَ على تدمير قوتهم بأنفسهم.
قبل أيام فقط ، نشرت صحيفة "هآرتس"مقالاً مطولاً، على خلفية محاكمة الجندي "آرئيل عزاريا"، الذي قتل الشهيد الشريف، وهو جريح، "خلافاً للقانون والتعليمات". يقول فيه الكاتب: إن شهود الدفاع يكشفون تباعاً أمام المحكمة العسكرية عن سلوكيات مشابهة أو مطابقة مارسها جنود وضباط إسرائيليون ضد الجرحى والأسرى العرب خلال الحروب السابقة. ومن هذه الاحداث، أن ضابطاً كبيراً (منعت الرقابة العسكرية ذكر إسمه)، أمر بقتل عشرات الأسرى العرب (جنوداً وضباطاً)، من الجيوش العربية، خلال حرب تشرين 1973، بعد ان ألقوا أسلحتهم وتم تكبيلهم، ومنهم جرحى في حالة صعبة، أما هذا الضابط فلم يُحاكَم، بل تقلّد مناصبَ عليا في الدولة لاحقاً.
ما تكشفه الارشيفات أو الشّهادات في مناسبات مختلفة، أن ذكرى حرب تشرين هي جرح مفتوح لم يندمِل بعدُ في نفوس الاسرائيليين. وهي صدمة كامنة ما تزال تعشّش في نفوس الجنود والضباط الإسرائيليين منذ عام 1973 إلى اليوم. ولم يكن مفاجئاً أن تعترف المحكمة الإسرائيلية، مؤخراً، بالاعتماد على تقرير الطبيب النفسي، بإعاقة أحد الجنود الإسرائيليين الذي شارك في حرب "الغفران". أي بعد 43 سنة من انتهاء الحرب. فالجندي، وهو من سكان مدينة عسقلان، تقدم بدعوى إلى المحكمة عام 2009، للاعتراف بإعاقته النفسية بعد أن استعادت ذاكرته تلك الأيام التي عاشها خلال حرب تشرين! ولم يكن اعتراف المحكمة الإسرائيلية صادماً لأحد من الاسرائيليين، بل شكّل تأكيداً لما يشعر به المجتمع الإسرائيلي عامة، ويُعبَّر عنه في ذكرى تلك الحرب، سنة بعد أخرى.
الخسائر الإسرائيلية بلغت 2656 قتيلاً و7251 جريحاً و301 اسيراً وعشرات المفقودين. وهي أرقام صغيرة، نسبياً مقارنة ب20000 شهيداً عربياً و35000 جريحاً وأكثر من 8800 أسيراً ومفقوداً.ومع ذلك تعيش إسرائيل إلى اليوم صدمة كامنة بحسب ما هو متفق عليه بين الباحثين والمؤرخين. ففي إسرائيل كانت حرب تشرين/أوكتوبر دفاعاً مستميتاً عن الوجود. ولم يكن ليُنجِدها غير أميركا، التي مدّتها بجسرٍ جوي من العتاد العسكري على أنواعه، وعشرات الطيارين الأميركيين، (من اليهود وغير اليهود)، وجيش من الدبلوماسيين، في كل زاوية من زوايا الأرض، بتوجيه من الداهية كيسنجر. ومع ذلك، لم تقبل قيادة إسرائيل، بزعامة غولدا مئير وإسحق رابين، أن تدفع الفاتورة السياسية خلال المفاوضات السوفييتية - الأميركية لتسوية قضية الشرق الاوسط، من خلال مؤتمر جنيف، فكان الانقلاب السياسي في إسرائيل، بمساهمة أميركية، عام 1977 بوصول مناحيم بيغن الى رئاسة الحكومة.
كانت المعنويات الإسرائيلية في أسفل درجاتها، ولكن قيادتهم كانت على قناعة أن أميركا لن تتركهم وحدهم. فبناء على تجربة حرب تشرين/أكتوبر"الغفران"، يؤكد الإسرائيليون في كل ذكرى أن هذه الحرب كشفت عورة الاستخبارات العسكرية وعجزها عن تقييم الطرف الآخر في قدراته وسلوكياته حتى الفردية منها. وعلى هذا تعمل إسرائيل وتكثف نشاطها في السنوات الأخيرة على تطوير أجهزة التجسس ووسائل تكنولوجية أخرى بهدف الوصول الى أي معلومة لدى الأطراف المعادية، وحتى لدى أصدقائها وحلفائها. وتكشف الاخبار المتداولة أن التجسس الإسرائيلي لا يعترف بخطوط حمراء. في الوقت ذاته، تعي إسرائيل منذ حرب "الغفران" أهمية التحالف الاستراتيجي مع أميركا، ليس فقط عسكرياً بل سياسياً واقتصادياً. وأهمية التأكيد على حيوية ونجاعة هذا التحالف مهما كانت هناك خلافات، خشية ان يعتقد أحدٌ من العرب، أن دولته قادرة ان تكون بديلاً لإسرائيل في خدمة أميركا. مع ذلك تقوم إسرائيل منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بالتطلع الى حالة من الاستقواء على البيت الأبيض، بمساعدة اللوبي الصهيوني والكونغرس، لدرء مخاطر الضغط التي يمكن ان يمارسها البيت الأبيض على إسرائيل، كما حصل بعد "حرب الغفران" وعشية مفاوضات أوسلو.
فوق هذا وذاك، تدرّس اسرائيل في مناهجها التعليمية لطلاب التوجيهي، دروس حرب "الغفران"، وتؤكد بأن التهديد باستخدام السلاح النووي خلال الحرب، ضد المنشآت العربية الحيوية مثل سد أسوان. ومن هنا نلحظ إجماعاً صهيونياً على ضرورة تحطيم سوريا، وليس بالضرورة من خلال حرب طاحنة مع إسرائيل. فالعرب كما تراهم إسرائيل، ليس فقط قادرون على تفويت الفرص بل قادرون أيضاً على تدمير قوتهم بأنفسهم.
[email protected]
أضف تعليق