الولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما، ستسعى بقوة للعمل على استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلاّ أنها لن تقدم على طرح مبادرة جديدة أو مسعى أميركي خاص على هذا الصعيد، هذا هو الموقف الأميركي المحدد إزاء العملية التفاوضية خلال الأشهر القليلة المقبلة الأخيرة من إدارة أوباما، في هذا السياق، فإن الدور الأميركي ربما يتلخص في التعامل مع إحدى آليتين أو كلتا الآليتين لتفسير دعمهما لعملية تفاوضية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
حديث الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول تقدم فلسطين إلى مجلس الأمن لمشروع قرار ضد الاستيطان، وتعليقه بالقول، إنه يجب ألا يتم استخدام الفيتو على هذا المشروع، يوحي بأن الرئيس كان يشير ضمناً إلى الولايات المتحدة التي استخدمت على الدوام حق النقض على مشاريع القرارات الخاصة بفلسطين في مجلس الأمن، وان هناك رهاناً، هذه المرة على أن إدارة اوباما، وقبل أن تترجل عن إدارتها للبيت الأبيض، باتت في وضع يسمح لها، هذه المرة، بعدم استخدام هذا الحق بالامتناع عن التصويت، على الأقل، خاصة وأن هناك إشارات خلال العام الماضي، من تهديد أميركي أكثر من مرة لحكومة نتنياهو من أن واشنطن قد تقدم على مثل هذه الخطوة، غير المسبوقة، لكن تبين أن مثل هذا التهديد كان في اطار المناكفات بين نتنياهو واوباما، أكثر من كونه موقفا مدروسا محددا، وبالتالي، لم يشجع ذلك فلسطين على التقدم بمثل هذا المشروع إلى مجلس الأمن، طوال العام الماضي، رغم الإعلان أكثر من مرة عن استعداداتها لذلك، كونها تدرك انه وبالرغم من هذه المناورات والمناكفات، فإن إدارة اوباما لن تقدم على مثل هذا التهديد عملياً.
إلاّ أن مجمل الأحاديث التي جرت سواء من خلال الخطابات أو الاتصالات واللقاءات، أشارت إلى أن هناك إمكانية واقعية، هذه المرة على أن تقدم واشنطن على دعم مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، وقد أعرب مسؤولون إسرائيليون عن قلق شديد من أن يقوم اوباما باستغلال الأشهر الأخيرة في منصبه لتسهيل الطريق أمام قرار في الأمم المتحدة "لفرض اتفاق على الطرفين".
وهنا نتوقف عند الجملة الأخيرة "لفرض اتفاق على الطرفين" للحديث عن الآلية الثانية التي قد تمكن إدارة اوباما من دعم استئناف العملية التفاوضية من دون أن تتقدم هي بذاتها بمبادرة خاصة بها، والحديث هنا عن طريقة ما لدعم المبادرة الفرنسية التي ستتمخض عن مؤتمر باريس قبل نهاية العام الجاري، قبل أسابيع من ترك اوباما للبيت الأبيض.
يقول أوباما في خطابه امام الجمعية العامة، إنه على إسرائيل الاقرار بأنه لا يمكنها احتلال الأرض الفلسطينية واستيطانها بشكل دائم، كما أن الاجتماع المغلق بين نتنياهو واوباما، لنصف ساعة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة، تناول ـ وفقاً للمصادر الإعلامية الإسرائيلية ـ مسألة المستوطنات تحديداً والموقف الأميركي المعلن حولها، وان اوباما أشار بوضوح إلى أنه لولا تمترس نتنياهو وراء ملف الاستيطان، لأمكن التوصل إلى نهاية جيدة للمفاوضات. قد تجد إدارة اوباما، أنها في ظل رغبتها المعلنة في تأكيد دورها وموقفها إزاء العملية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة ومن ضمنها القدس، ان مؤتمر باريس، والذي سبق أن رفضته عندما تناولت المبادرة الفرنسية، قد يشكل الآلية التي من خلالها يمكن لإدارة أوباما أن تعكس وتترجم موقفها قبل أسابيع من رحيلها من البيت الأبيض، خاصة وأن آليات مؤتمر باريس تشير إلى مشروع قرار إلى مجلس الأمن، يتم فرضه على الجانبين في حال إقراره، سواء حضرا مؤتمر باريس أم لم يشاركا فيه، في إشارة إلى امتناع نتنياهو عن الموافقة على المبادرة الفرنسية ومؤتمر باريس، وهو الأمر الذي يتقاطع مع حديث أميركي حول فرض حل على الجانبين.
مؤتمر باريس، قد يشكل بداية لجهد دولي جديد، لكنه بالمقابل، قد يشكل نهاية لإدارتين: إدارة أوباما التي قد تستمر ضمناً بوصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، أو مغادرة الحزب الديمقراطي هذا البيت نهائياً وحتى الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أربع سنوات، في حين أن الرئيس هولاند الذي سيخضع لانتخابات رئاسية في العام القادم، ومعه اليسار الفرنسي، ويصبح مؤتمر باريس، هو الخروج الآمن لكلا الإدارتين إذا ما تحقق له النجاح، أو على الأقل التأكيد على أن هناك مساعي جدية قد طرحت في اطار دولي لاستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
ولعلّ الحديث المتجدد، عن "دولة ثنائية القومية" أو "الدولة الواحدة" والتفسيرات المختلفة لهما، في التفاف واضح عن حل "دولتين لشعبين" وفقاً لاتفاق أوسلو، ثم خارطة الطريق، ما يجعل الجهد الدولي، على تردده، مضطرا للتمسك بالحل المتعلق بدولتين لشعبين، في حين أن حكومة نتنياهو، ومن الناحية العملية، ترفض كل الحلول، على مختلف تسمياتها ولديها حل واحد، إدامة الوضع الراهن الذي يسمح لها بالتوسع الاستيطاني لخلق وقائع جديدة من شأنها وضع حد نهائي من الناحية الواقعية لحل الدولتين!! -
[email protected]
أضف تعليق