اعتادت قيادات عربية (العرب الطيبون) من أذناب ومأجوري الأحزاب الصهيونية، على التغني بصداقاتها مع سياسيين اسرائيليين وصهيونيين، امثال يغآل ألون وعيزر وايزمن وشمعون بيريس ويوسف الموغي وغيرهم... واهتموا بأن تلتقط لهم صور وهم يقفون إلى جانبهم... ودون أن يعرفوا (أو ربما عرفوا) ماضي كل واحد من هؤلاء الذين برعوا في الترويج لفكرة الصداقة العربية – اليهودية، والتعايش العربي – اليهودي وغيرها من الشعارات الفارغة شكل ومضمونا...
أحد هؤلاء الذي كان يُعبر ليل نهار عن صداقاته مع العرب في البلاد وخارجها رحل مطلع هذا الأسبوع (29 آب 2016)، وهو بنيامين بن اليعيزر. بن اليعيزر هذا كان يفخر بأن ينادوه "فؤاد"، لكن "الفؤاد" لم يملك فؤادًا في علاقاته مع العرب بالمرة. وهذا ما سنبينه في السطور القادمة، والتي أرغب في ان اقدم لها بتجند الاعلام في اسرائيل والسياسيين أيضا يوم وفاته لتعداد انجازاته ومساهماته في بناء جيش اسرائيل واجهزة ومؤسسات الدولة.
انطلقت ماكينة الاعلام الاسرائيلية المجندة لخدمة اجندات السياسة الاسرائيلية في التطبيل والتزمير يوم وفاة بن اليعيزر، باعتباره شخصية مميزة وهامة وغيرها من كلمات النفاق والكذب والتلميع. لدرجة أن سياسيين من حزب الليكود، ومن بينهم رئيس الدولة ريفلين (طبعا هو يتحدث بصفته الرسمية) رفع من شأن المتوفى، معتبرا رحيله خسارة. وكذلك فعل رئيس الحكومة نتنياهو... واتسعت دائرة المؤبنين له في الإذاعة والصحافة والتلفزيون في ذاك النهار... كل الماكينة الاعلامية تنافق نفاقا لا مثيل له... إلا واحد لم يفعل ذلك وهو يوسي بيلين الذي وجه انتقادا لاذعا إلى نهج بن اليعيزر واساليبه في ادارة الامور التي اوكلت له، وغرقه في قضايا فساد مالي ... وطبعا أدارت الماكينة الاعلامية فوهة مدفعها وصوبته إلى بيلين لأنه لم يحترم الميت في يوم وفاته، ولم ينتظر الى ما بعد دفنه ليُخرج ما في بطنه...
لكن، ليس هذا هو الموضوع، وليس دفاعا عن بيلين مطلقا، بل أن بيلين وكل الذين عددوا انجازات ومساهمات بن اليعيزر تطرقوا إلى أمر جنائي واحد وهو التهم التي وجهت إليه باختلاس الاموال وتبييضها وفساد مالي. حالة الفساد المالي التي تستولي على عدد كبير من قيادات اسرائيل في العقدين الأخيرين. ولكن قليلة جدا هي وسائل الاعلام الاسرائيلية التي تطرقت إلى ما اقترفته يدا هذا الرجل "صديق العرب" في حرب حزيران 1967 من جرائم ترقى إلى درجة جرائم حرب. حيث كان قائدا لوحدة شاكيد التي انيطت بها مهام في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء خلال وبعد الحرب المذكورة. ووقع في الأسر مئات من الجنود المصريين، الذين تم تجميعهم في ظروف لا انسانية مطلقا، مع تجويعهم وترويعهم ومنع الماء عنهم... ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أمر بن اليعيزر نفسه بإحضار عدد من الأسرى وأطلق الرصاص عليهم... وأمر بقتل قرابة 250 جنديا مصريا آخر ودفنهم في قبر جماعي. وهذه المعلومات لم يبتدعها عقل ما أو قلم صحافي ما بهدف الشهرة، بل حقائق استند عليها محقق تلفزيوني من القناة الاسرائيلية الأولى هو ران ادليست الذي أعد تقريرا مفصلا في آذار 2007 بثته القناة المذكورة. استند ادليست في تحقيقه عن وحدة شاكيد على وثائق تاريخية في ارشيف الجيش في اسرائيل. وما كان ليجرأ بإنجاز تقريره هذا لولا انه امتلك او اطلع على عدد من الوثائق الكافية لهذا الغرض. في حين ان بن اليعيزر ضحد هذه التهم واعتبرها هراء!!
وإذا كان بن اليعيزر قد ارتكب مثل هذه الجريمة التي يفترض بالمصريين فتح ملف تحقيقات بشأنها واستخلاص النتائج، فإن بن اليعيزر اعتبر نفسه صديقا صدوقا لكل من السادات ومباركا فرعوني مصر السابقين... واعتبر مصر بيته الثاني...
وفيما يخص الشأن الفلسطيني فإنه كان من أكثر القيادات العسكرية تشددا مع الفلسطينيين، ومن الداعين إلى ملاحقة المقاومين الفلسطينيين وتصفيتهم. وكذلك كان من أكثر المروجين لإقامة الجدار العنصري العازل. وفيما يتعلق بلبنان فإنه عمل وسهر على إقامة جيش لبنان الجنوبي الموالي لاسرائيل والخائن للبنان حكومة وشعبا.
لكن بن اليعيزر هذا صاحب هذه الانجازات بنظر الاسرائيليين، ولد في البصرة وترعرع في العراق وهو ابن صالح وفرحة بن اليعيزر، تلقى ثقافة عربية في نشأته الأولى، لكنه فور وصوله إلى اسرائيل سرعان ما خلع جلده عن ظهره وانطلق ليخدم اسياده الاشكناز مؤسسي دولة اسرائيل والمهيمنين عليها وعلى مؤسساتها الرئيسة... واعتقد أنه بتزلفه ونفاقه يمكنه ان يصل إلى أعلى منصب فيها، وهو رئاسة الدولة... لكن هذا الحلم الأبله لم يتحقق لهذا الرجل، إذ بمجرد أن طرح اسمه حتى امتشقت سيوف الاشكناز تدميه ساعة بعد ساعة، والصقت به تهمة الاختلاس وتبييض الاموال... وسقط فؤاد العراقي كما سقط كتساف(قصاب) الفارسي من قبله القابع في السجن بتهم التحرش الجنسي..
هذا هو فؤاد... صديق العرب الذي استقبلته بيوت وقرى ومؤسسات عربية غارقة في أحلام بلهاء في بناء علاقاتها مع شخصيات تهينهم وتتغطرس عليهم وتقهرهم وتظلمهم وتحولهم إلى عبيد مطأطئي الرؤوس...
[email protected]
أضف تعليق