هل لاحظتم الصلة الألسنية اللغوية/ الفونية بين قول العروبة عن «الأغيار» أنهم «عجم»، وقول اليهودية عن الأغيار «غوييم»؟
يقول العروبيون عما يتاخم هذا «العالم العربي» من شعوب وأقوام ودول أنهم «عجم»، ويقصدون بالذات ما يُعرف الآن بدولتين إسلاميتين كبيرتين، هما: تركيا وإيران.
استراتيجيون عروبيون عنصريون/ فاشيون تحدثوا عن دولتي «العجم» هاتين بأنهما من دول «تخوم» هذا «العالم العربي»، وإستراتيجيون صهاينة إسرائيليون عملوا على إبطال «كمّاشة» عروبية تحيط بهم بأخرى من ثلاث دول: إيران وتركيا والحبشة (أثيوبيا) مع أن هذه الدول وسواها هي «غوييم».
تغيّرت أنظمة الحكم في إيران (الفارسية) وتركيا (الأتاتوركية) وأثيوبيا (ملك الملوك هيلا سيلاسي) من صداقة وتحالف مع إسرائيل، إلى أنظمة إسلامية في إيران وتركيا على عداء أو خلاف مع إسرائيل.
إسرائيل، بعد فوضى الفوران الإسلامي العربي، صارت تتحدث عن «الكمّاشة» العربية المتفكّكة من حولها بطريقة أخرى، هي درء الخطر الشيعي ـ الإيراني ـ الفارسي بتحالف المصالح مع دول النظام العربي الإسلامي «السنّي» هروباً من سلام عربي ـ إسرائيلي لن يرسخ دون سلام فلسطيني ـ إسرائيلي.
هناك علامتان: سلام كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي، والحرب العراقية ـ الإيرانية التي خاضها عراق صدام حسين من وحي نظرية العداء القومي لإيران الفارسية ـ الشيعية.
هل مجرد مصادفة التقارب الزمني بين العلامتين السابقتين، أي بدء تقبُّل العروبة بدولة دخيلة في قلبها وغريبة عنها، وعودة عروبية عنصرية/ فاشية للحديث عن دولتي التخوم بصفة إيران فارسية ـ شيعية، وبصفة تركيا طامحة إلى «عثمانية جديدة».
دولتا التخوم هاتين منغمستان الآن في صراع يدور في العراق وسورية، وقد تحوّلتا من خط دفاع العروبة عن نفسها ضد دول «التخوم» إلى دولتين متفتتتين.
صحيح، أنه لا يمكن اختصار التعدد القومي ـ الديني في العراق وسورية لا بالعروبة ولا بالإسلام، فلماذا يختصر العروبيون الفاشيون التعدد الإيراني والتركي القومي والديني بـ «الفارسية» و»الشيعية» أو بـ «العثمانية» و»السنِّيَّة»؟.
إن إيران الإسلامية ـ الشيعية ـ الفارسية هي دولة «التخوم» الأهمّ والأخطر من تركيا، وبالطبع من أثيوبيا. لماذا؟
على العروبة الإسلامية الجديدة أن تنسى حروبها مع «الفرس» وكذا عربستان، وكذا الخلاف السنّي ـ الشيعي؛ وعليها أن تنسى هواجس الخلافة العثمانية، وكذا الإسكندرون (أنطاليا) وديار بكر.
في النشيد العروبي يقولون: «لنا مَدنيَّةٌ سَلَفَتْ/ سَنُحييها وإنْ دُثَرَتْ..» إلخ فكيف نُحييها؟
ليست الحضارة العربية ـ الإسلامية، أساساً، سوى حضارة عربية ـ فارسية، وفيها أعطى الفاتحون العرب لإمبراطورية كسرى دينهم، وأخذوا منها حضارتها، من تقعيد لغتهم وتنقيط حروفها إلى العلم والفكر، كما أخذوا من الإغريق وزادوا عليهم، ومن حضارات في بلاد الشام والعراق سبقت الفتوحات الإسلامية، يفاخرون بها، لكن لا يعترفون بالجذر الفارسي في الحضارة العربية ـ الإسلامية.
كان ناصر، بعد هزيمة 1967 تحدث عن «إعادة كتابة التاريخ العربي» وبعد انقلاب تصحيحي شعبي ـ عسكري تحدث السيسي عن «ثورة في الإسلام»، وكان الرسول الأعظم قد قال: «سلمان منّا آل البيت» وفي مأثور العربية: «لا يُصلح الله أمر قومٍ ما لم يُصلحوا ما في أنفسهم».
كيف كانت الحال قبل سنوات في مصر وفلسطين، وهما من دول الإسلام السنّي؟ لم يجد شاه إيران قبراً له في منفاه سوى أرض مصر، ليس فقط لأن إحدى زوجاته كانت منها.
ماذا عن زمن م.ت.ف في لبنان بخاصة؟ كانت مع «تحالف المحرومين في أرضهم والمحرومين من أرضهم» ووريث عناصر «أمل» وكذا عناصر «حزب الله» وكان عماد مغنية وخلفه بدر الدين في نخبة قوات الثورة الفلسطينية، التي انخرط فيها السنّة والشيعة، الفلسطينيون والعرب، العرب و»العجم» بينما يذهب العالم إلى «توازن المصالح» بديلاً من الصراع الأيديولوجي، فإن على العروبة الجديدة ـ الإسلامية ـ أن تقيم علاقة مصالح مع دول التخوم، لا أن تصير دول العالم العربي «دار حرب» قومية أولاً، ثم دينية وطائفية الآن، أو دار سلام مع دولة «الغوييم» اليهودية ودار حرب مع دولتي «التخوم» الإسلامية الشيعية والإسلامية السنّية.
إن سورية والعراق دولتان مسمّيتان «عربيتين» لكنهما تحتويان قوميات أخرى، ومسمّيتان «إسلاميتين» لكنهما تحتويان أدياناً أخرى، وهكذا الحال في إيران ـ الشيعية ـ الفارسية، وتركيا الطورانية ـ العثمانية ـ السنّية، وهما تتصارعان في سورية والعراق، وتقيمان علاقة مصالح بينهما، الفارق بين إيران وتركيا أن للأولى جذرها في الحضارة الإسلامية (أعطيناها ديناً وأعطتنا حضارة)، لكن الإمبراطورية العثمانية لم تشهد خليفة عربياً، وانتهت من آخر خلافة إسلامية إلى «التتريك» و»الأتاتوركية».
كان سهلاً على مصطفى كمال (أتاتورك) كتابة لغة البلاد بالحروف اللاتينية، لأنه لم يكن لـ «الطورانيين» حضارة من قبل، لكن كانت لإيران الفارسية ـ الشيعية حضارة مدوّنة بالحرف العربي.
يجب على العرب المسلمين كسر احتكارهم للإسلام الصحيح، الذي يقود لاحتكار الإسلام السنّي للعروبة، وعليهم الاعتراف بأن للحضارة العربية ـ الإسلامية جذرها الفارسي القومي.
يجب على العروبة السنّية أن تنسى هواجس «العثمانية» الجديدة، وأن تنسى تركيا دور العرب في الإجهاز على الخلافة العثمانية.
ما يشدّنا إلى علاقة مصالح مع دول التخوم من «العجم» به نبدأ «لنا مَدنيَّةٌ سَلَفتْ»، وهذه العلاقة أقوى من علاقة العروبة بدولة يهودية تراهم «غوييم» وتحلم بتحالف سنّي ـ إسرائيلي ضد «الإرهاب الشيعي».
كان هناك من تحدث عن البحر الأحمر «بحيرة سلام عربية» والأحرى أن يصبح الخليج بحيرة سلام إسلامية.
[email protected]
أضف تعليق