في الذكرى السنوية لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، قرر رئيسها بنيامين نتانياهو عقد الجلسة الأسبوعية فوق مرتفعات الجولان. وطلب من وسائل الإعلام توزيع صورة الاجتماع على الصحف المحلية والخارجية، مدّعياً أن هضبة الجولان كانت جزءاً من أرض إسرائيل الكبرى. وأعلن نتانياهو أنه اختار عقد الاجتماع الأسبوعي في هذا المكان بالذات كي يمرر رسالة سياسية مفادها إن مرتفعات الجولان ستبقى تحت سيطرة إسرائيل إلى الأبد.
وكان من الطبيعي أن يُحدِث استفزاز الحكومة الإسرائيلية ردود فعل غاضبة دشنها مجلس الجامعة العربية بالاستنكار والرفض القاطع. لذلك كلف الأمين العام نبيل العربي إجراء اتصالات مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.
وحذر مجلس الجامعة بلسان الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة السفير سعيد أبو علي، من المحاولات الإسرائيلية المتكررة لفرض الأمر الواقع. وقال إن سياسة التوسع لضم أراضي المستوطنات في الضفة الغربية أصبحت قاعدة متـّبعة في مختلف المواقع المحتلة، بما فيها مرتفعات الجولان.
وأضاف إن هذه الخطوة تشكل تحدياً صارخاً لإرادة المجتمع الدولي وقرار مجلس الأمن الرقم 497 الصادر بالإجماع عام 1981. وهو ينص على رفض القوانين الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، كونها تمثل خرقاً فاضحاً لقرارَيْ مجلس الأمن 242 (عام 1967) و338 (عام 1973). إضافة إلى القرارات الأخرى ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية عام 2004 في هذا الشأن.
ولكن هذا كله لم يُلغِ التساؤلات المتعلقة بالدوافع الحقيقية التي شجعت نتانياهو على اتخاذ هذا القرار الاستفزازي؟!
جزء من الجواب قدّمه رئيس الوزراء أثناء مناقشة مستقبل مرتفعات الجولان على هامش الجلسة الخاصة. قال إنه لا يدري إذا كانت التسوية في سورية ستحافظ على مصالح إسرائيل الأمنية في هذه المنطقة الاستراتيجية أم أن ذلك سيكون من نصيب «حزب الله» أو «داعش»؟
ثم أكمل: «لقد نشر مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، مسودة تسوية يعيد بموجبها هذه المرتفعات إلى سورية. هذه سخافة. حان الوقت لأن تستوعب الأسرة الدولية الأمر الواقع. قصة الجولان انتهت. الجولان كله سيكون من نصيبنا».
الأحزاب المعارضة في إسرائيل التزمت جانب الصمت، ولكنها أعربت عن استغرابها لتصريحات رئيس الحكومة التي أثارت ضجة سياسية كبرى بعد مرور 49 سنة على احتلال الجولان.
أول تنديد صدر عن بان كي مون، الذي ذكـَّر بقرار مجلس الأمن (عام 1981) الذي ألغى قرار ضم الجولان للسيادة الإسرائيلية. ثم تبعه الناطق بلسان الخارجية الألمانية مارتن شيفر، الذي كرر التزام بلاده مبدأ القانون الدولي في ميثاق الأمم المتحدة. أي القانون الذي يمنع ضم أرض دولة إلى أرض دولة أخرى.
وبما أن نتانياهو لم يذكر تعليق وزير خارجية أميركا جون كيري على اقتراحه، فقد تولى الناطق بلسان الخارجية الأميركية جون كيربي هذه المهمة، وقال إن سياسة واشنطن لم تتغير، وأن كل تغيير في وضع الجولان يجب أن يتقرر في المفاوضات.
في لقائه الأخير مع باراك أوباما، طلب نتانياهو منه الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. وادّعى أن وجود روسيا وإيران فوق الأراضي السورية قد يؤدي إلى تفككها بحيث تصبح مرتفعات الجولان عرضة للنزاع بين «داعش» و»حزب الله».
الرئيس أوباما لم يبدل في موقف بلاده، وقال له إن اتفاقية فك الاشتباك تتضمن بنداً أساسياً يقول: لا يعد هذا الاتفاق اتفاقية سلام نهائي، إنه خطوة نحو سلام دائم على أساس قرار مجلس الأمن الرقم 338 المؤرخ في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
قبل أن يسافر نتانياهو إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، فاجأه الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف بتصريح قال فيه إن موقف روسيا من وضع الجولان ثابت لم يتغير، وإنه يتطابق مع قرارات مجلس الأمن. ولما تأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية أن بوتين يقف وراء التصريح، ادّعى أن زيارته لموسكو تتعلق بضرورة تنسيق الدولتين حول منع الاحتكاك مع طائرات روسية في الأجواء السورية.
وكانت الصحف الإسرائيلية قد ألمحت إلى هذا الموضوع، وذكرت أن نتانياهو أوفد إلى موسكو قبل مدة خبيراً عسكرياً لإطلاع المسؤولين على حادث إطلاق النار على طائرات إسرائيلية اخترقت الأجواء السورية. ومن أجل تفادي المواجهة، اصطحب نتانياهو معه قائد سلاح الجو بحيث تتم صيانة التنسيق على أرفع مستوى في البلدين.
المقربون من مركز القرار في تل أبيب لا يستبعدون بحث المسائل التقنية المتعلقة بسلاح الجو، ولكنهم يؤكدون أن المحادثات تناولت مسائل استراتيجية بالغة الأهمية. خصوصاً أن روسيا تـُعتـَبر القوة المهيمنة على جبهات القتال في سورية، وأنها حالياً تبحث مستقبل الحرب الأهلية.
مصادر نتانياهو تدّعي أنه بحث مع بوتين في شكل المستقبل الذي يتصوره لسورية ولمنطقة الشرق الأوسط. وذكرت أنه طالب بحصته من الغنائم التي تركها الرئيس الأميركي أوباما، وانصرف في آخر أيام ولايته إلى ترميم منطقة الاتحاد الأوروبي.
وبما أن إسرائيل تعتبر دورها مكملاً لدور الولايات المتحدة، لذلك عززت مكانتها السياسية والاقتصادية مع روسيا، معتمدة على مليون ونصف مليون إسرائيلي من أصول روسية.
ويُستدَل من الكتاب الذي أصدره بنيامين نتانياهو عام 1993 تحت عنوان «مكان بين الأمم»، أن طموحاته الوطنية كانت قائمة على تحقيق هذا الهدف. وهو يعترف بأن انتهاء الحرب الباردة أفقد الدول الصغيرة أدوارها. لذلك حصر اهتمامه بتحسين علاقات إسرائيل مع الصين والهند وروسيا. ولقد وجد لدى بوتين الرغبة في تمتين هذه العلاقات، على اعتبار أن إسرائيل تملك في الولايات المتحدة أهم وسائل الضغط بواسطة الإعلام أو اللوبي اليهودي. ويعترف بوتين أن مشهد رجال الكونغرس وهم يصفقون لنتانياهو بعد إلقاء خطابه، يمثل صفعة مدوية لأوباما. كما يعترف أيضاً بأن تأثير إسرائيل على المجتمع الأميركي ساعد في فرض العقوبات على روسيا.
لهذه الأسباب وسواها، يسعى بوتين إلى تطمين إسرائيل إلى اجتراح حلول لا تشكل خطراً على أمنها وسلامة حدودها.
ويرى عدد من الصحافيين الروس أن بوتين عازم على إرضاء نتانياهو، بهدف جذب إسرائيل من تحت المظلة الأميركية، واستخدامها في منطقة بدأت تفرغ من نفوذ الولايات المتحدة. وعندما أثار نتانياهو مع الرئيس الروسي مسألة ضم الجولان، حاول أن يقارن بين هذه الخطوة والخطوة التي أقدم عليها بوتين في ضم شبه جزيرة القرم. ورفض بوتين المقارنة، لأنه استرد لروسيا منطقة كانت تابعة لها جغرافياً وتاريخياً، في حين يريد نتانياهو ضم منطقة هي جزء لا يتجزأ من سيادة سورية!
الدافع الذي شجع نتانياهو على إعلان ضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل كان حديث بوتين عن إنشاء نظام فيديرالي في سورية تنصهر في داخله كل الأقليات والطوائف. ومع أن المفاوضات حول مصير سورية ومستقبلها قد استؤنفت في جنيف، إلا أن المجموعات المعارضة رفضت ترميم النظام السياسي العتيق والمفكك. كما رفضت الاعتراف بقدرة بشار الأسد على جمع الشظايا المتناثرة وإعادة تركيبها بشكل جديد وصالح للعمل. وهي ترى أن سورية أصبحت شبه فسيفساء لمقاطعات بالغة الصغر. خصوصاً بعدما سلمت الحكومة شطراً كبيراً من الأراضي إلى إيران وروسيا و»حزب الله». في حين اقتطع «داعش» أغنى المقاطعات وأكثرها بحبوحة.
وكما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية، فان أمراء الحرب في سورية نشروا نقاط تفتيش حول حدود أقاليمهم الضيقة بهدف جباية الضرائب وخطف الميسورين. ويكاد يكون في نظرهم من المستحيل التنازل عن هذه «الملكيات» لصالح حكومة وحدة وطنية، مثلما فعل اتفاق الطائف.
ويرى المراقبون أن انهيار سورية يهدد استقرار الشرق الأوسط كونها لعبت دوراً بارزاً في العالم العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. علماً أن هذا الدور كان سلبياً في الستينات والسبعينات لأنها نشرت الخلافات داخل لبنان بغرض القيام بدور المنقذ. ثم ساهمت في تهدئة الوضع عندما وافقت غالبية أعضاء البرلمان اللبناني على «احتلالها» الذي استمر 29 سنة. والمستغرَب أن الولايات المتحدة باركت هذا «الاحتلال» وشجعته حرصاً على أمن إسرائيل من صواريخ منظمة التحرير.
واليوم، لم تعد سورية محركة الدمى والممسكة بمقاليد الأمور. بل تحولت إلى ثقب أسود يفرز يومياً عشرات القتلى وآلاف اللاجئين الباحثين عن الأمان خارج البلاد. تماماً مثلما أفرز «داعش» عصابات القتل وتجـّار الموت والسلاح.
وفي تقرير موثق، نشرت تفاصيله صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية و»دايلي مايل» البريطانية، إدانات للنظام السوري، وادعاءات بأنه اتفق في مرحلة معينة مع تنظيم «داعش» على شراء كميات من النفط بأسعار رخيصة.
ونشرت الصحيفتان صورة مذكرة صادرة يوم 11 شباط (فبراير) 2014 ومرسلة من مكتب أبو سياف - رئيس قطاع النفط لدى «داعش» - إلى شخصية مقرّبة من بشار الأسد، تطلب منها التعاون. وتشير تلك الوثائق إلى أن الاتفاق الذي عُقِد بين الطرفين سجل دخول أربعين مليون دولار شهرياً في خزينة «داعش». وهذا ما جعل التنظيم جديراً باللقب الذي أطلقه عليه أوباما «أغنى منظمة إرهابية عرفها تاريخ العصابات المسلحة».
بالعودة إلى مرتفعات الجولان، وما تعنيه من أهمية بالنسبة لأمن إسرائيل، وللخطوط الحمر التي رسمها نتانياهو في واشنطن وموسكو فقد شملت تلك الخطوط المثلث الحدودي القائم بين إسرائيل وسورية والأردن وجنوب الجولان. وقد أعرب نتانياهو عن مخاوفه من احتمال استخدام الجولان كمركز انطلاق لتهديد إسرائيل من الجهة الجنوبية، خصوصاً بعدما أعطت منظمة «شهداء اليرموك» ولاءها لـ «داعش» منذ عام 2014. وفي القرى المقابلة للحدود مع إسرائيل يعيش أكثر من أربعين ألف نسمة بينهم 600 مقاتل تابعون لـ «داعش».
لهذه الأسباب تتوقع الحكومة الإسرائيلية أن يفتح «داعش» جبهة شبيهة بالجبهة التي فتحها في سيناء، في حال نجح الأميركيون والروس في طرده من سورية. وعليه يتوقع نتانياهو أن يجعل من التزامه باتفاقية فك الاشتباك (31 أيار/ مايو 1974) ورقة مساومة لانتزاع تنازلات من متعهدي النظام السوري، توفر لإسرائيل الأمن والاستقرار!
نقلا عن الحياة
الكاتب: صحافي لبناني
[email protected]
أضف تعليق