في صيف عام 2014 قدمت المملكة الاردنية الهاشمية، عبر مسؤول رفيع المستوى في دائرة الاوقاف الاردنية في القدس الى المسؤولين عن مشروع مصاطب العلم في المسجد الاقصى المبارك، عرضاً ينص على مطالبة المرابطين طلاب العلم بالكف عن ملاحقة المستوطنين وعدم التكبير بصوت عال و "استفزاز" اليهود المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك، وفي المقابل فإنها ستضمن استمرار عملهم في المسجد الاقصى ولن يتعرضوا إلى الحل والحظر. وعند سؤال المسؤول عن كيفية حماية المسجد الاقصى المبارك وكيفية منع تمرير مخططات الاحتلال الرامية الى تقسيمه زمانياً ومكانياً، كان الرد أن هذا سيكون من مهمة الأوقاف الاردنية والحراس والذين سيتم تدعيمهم بعدد آخر من الحراس الجدد والمدربين وسيقفون بالمرصاد لأي انتهاك للوضع القائم قد يتعرض له المسجد الاقصى المبارك. وتم توصيل رسالة اخرى مفادها انه في حالة رفض هذا العرض فإنهم سيتعرضون الى اشد صنوف العذاب وسيتم حظرهم وملاحقتهم في كل مكان.

طبعاً، على ما نعلم، فإن المرابطين طلاب العلم رفضوا هذا العرض رفضاً قاطعاً، وطالبوا المملكة الاردنية بتحمل مسؤوليتها التاريخية في حماية المسجد الاقصى المبارك، ونصحوهم بعدم الانجرار وراء الوعود الصهيونية الكاذبة، وتم التأكيد على ان هذه حقبة تاريخيه مهمة، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وعلى الجميع ان يتكاتف من اجل توحيد الجهود لحماية المسجد الاقصى.

وبعد هذا الرفض القاطع، والذي يعتبر موقفاً تاريخياً يسجل لصالح طلاب مصاطب العلم، بدأت حملات الملاحقة والاعتقال والحبس والضرب والشتم لهم، ومن ثم الاعلان عن المؤسسات الراعية لهم كمنظمات محظورة، ثم بدأت موجة جديدة من الاغلاق للمسجد الاقصى وتحديد الاعمار لفسح المجال لاقتحامات اليهود. وتحرك الشارع الفلسطيني، وانطلقت الهبة الشعبية المناصرة للمسجد الاقصى المبارك ووجهت رسالة بليغة اقضت مضاجع صناع القرار في المشروع الصهيوني عامةً وخصوصاً الاسرائيلي والامريكي، وبدأ وزير خارجية الويلات المتحدة جولته المكوكية، واجتمع مع العاهل الاردني ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في عمان واتفق الجميع على تهدئة الاوضاع حول المسجد الاقصى المبارك وخصوصاً منع اقتحام الوزراء والسياسيين الإسرائيليين للمسجد وعدم اغلاق بوابات المسجد الاقصى المبارك على الاطلاق.

وفعلاً طرأ هدوء حذر في القدس. لكن هذا الامر لم يرق للاحتلال، وبدأ بتنفيذ خطة جديدة ممنهجة من اجل فرض واقع جديد على المسجد الاقصى المبارك، ظناً منه في ذلك الحين، ان الوضع الاقليمي ملائم والفرصة مواتيه. وبدأ في عمليه استفزاز غير مسبوقة للمرابطين، وبدأت اعتداءات الاحتلال وقواته تتصاعد بشكل كبير وعادت عمليات إغلاق البوابات ومنع المصلين وملاحقة المرابطات وفرض سياسات الابعاد والتهديد والوعيد لكل من يجرؤ على الاعتراض على هذه الاعتداءات، وخاصة في فترة الاعياد اليهودية والمناسبات الدينية المختلفة، والتي وظفها الاحتلال من اجل تعميق سيطرته على المسجد الاقصى المبارك. حتى انه بدأ يتجرأ على الاعتداء على حراس المسجد الاقصى وموظفي دائرة الاوقاف وموظفي الاعمار، وأصبح يتعامل مع المسجد الاقصى كأنه صاحب السيادة عليه، ومنع موظفي الاعمار إجراء أي عمل مهما كان صغيرا بدون إذنه وموافقته، وفي هذا السياق الجدير ذكره أن الاحتلال منع تغير ماسورة مياه في سطح قبة الصخرة بدون اذنه وبقيت المياه تسيل عدة ايام حتى جاء مسؤول الآثار الاسرائيلية وأعطى الاذن بالعمل ووقف عند العمال حتى انهوا عملهم. هذه الماسورة كشفت عمق سيطرة الاحتلال على المسجد الاقصى المبارك، طبعاً على حساب السيادة الاردنية.

ازدادت اعتداءات الاحتلال، ونتيجة لهذا الاعتداءات تحرك الشارع الفلسطيني نصرة للمسجد ورواده، وانطلقت انتفاضة القدس، ومرة اخرى، وبدلا ً من إلزام الاحتلال بالتراجع عن سياساته العدوانية واعتداءاته، طل علينا، مرة اخرى، وزير خارجية امريكا جون كيري ليلعب دور عراب عملية تضليل الرأي العام الاسلامي وخاصة الفلسطيني، وظن أنه بهذه الاجتماعات وباستعمال المفردات المختلفة سيكون باستطاعته وقف ثورة الشارع التي انطلقت كرد فعل طبيعي على استفزازات واعتداءات الاحتلال على المسجد الاقصى. وحصل الاجتماع المعروف في عمان وصدرت عنه ما اصطلح عليه "تفاهمات كيري"، وهي إملاءات من طرف واحد لتمكين الاحتلال من المسجد الاقصى وخصوصاً لشرعنه الاقتحامات وتجريم المرابطين، ومن أجل تمرير هذا المخطط (شرعنة الاقتحامات كمقدمة لشرعنة صلوات اليهود) تم نقاش الأمر تحت فرضية ان الحركة الاسلامية والتيار الاسلامي هم من يثيرون "الشغب"، وبعملية تسطيح للواقع وقلب للحقائق واختلال للموازين، فقد اتفق الحضور على حظر نشاط الحركة الاسلامية وما يقارب ثلاثين مؤسسه خدماتيه اخرى من اجل تمرير هذه التفاهمات.

والان، وبعد حظر الحركة الاسلامية، وحظر المؤسسات العاملة للقدس والاقصى، وبعد حظر المرابطين والمرابطات، وبعد ملاحقتهم واعتقالهم، وتطريز ملفات مفبركة لهم بتهمة الانتماء الى منظمة محظورة هي المرابطين والمرابطات، وبعد تفريغ الاقصى منهم، وبعد فتح المجال للاقتحامات، وتهيئة الاوضاع للأعياد اليهودية، ولربما نحن على ابواب تقديم قرابين الفصح في المسجد الاقصى، بعد كل ذلك، يبقى السؤال كيف ستواجه المملكة الاردنية الهاشمية استفحال عدوانية الاحتلال في المسجد الأقصى وكيف ستواجه سحب السيادة الاردنية منه؟! إن كان هناك فعل حقيقي فذلك جيد ومبارك، ونرجو نشره للجمهور. وإن لم يكن فإننا نقول إن المملكة الاردنية وقعت في فخ كيري ونتنياهو، ولن تفلت من هذا الفخ، وسيبقى سيفاً مسلطاً على رقبتها إلا إذا عادت إلى قراءة الواقع ومخرجاته بالشكل الصحيح بعيداً عن رواية المشروع الصهيوني.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]