وادي النعم هي كبرى القرية العربية غير المعترف بها في البلاد، تقع جنوبي غرب قرية شقيب السلام بالقرب من المنطقة الصناعية "رمات حوفاف". يبلغ عدد سكان وادي النعم أكثر من 10،000 نسمة، معظمهم من أبناء العائلات التي تمّ ترحيلها من مناطق مختلفة في النقب وتركيزها في وادي النعم في العام 1953، ومنذ ذلك الحين يواصلون العيش هناك. خلال أكثر من 60 عامًا عاش سكان وادي النعم دون اعتراف، دون تخطيط، دون أي إمكانية تطوير وتوسّع مدنية، بدون خدمات أساسية كالمياه والكهرباء والبنى التحتية وشبكة صرف صحي، وفي ظروف معيشية صعبة جدا، وهم دائمي العرضة لخطر الترحيل وهدم منازلهم.
يناضل سكان وادي النعم من أجل الاعتراف بقريتهم وتعريف حدودها منذ عقود، للاعترف بها كقرية زارعية، وتوفير حلول تخطيطية مناسبة تفي باحتياجات جميع سكانها والأجيال القادمة، تضمن حقوقهم الأساسية في المأوى وكسب الرزق، التعليم، وحرية العبادة وقبل كل شيء في العيش بكرامة. على مر السنين، وعلى الرغم من المحادثات والمفاوضات المستمرّة بين الدولة والسكان، فشلت كل المحاولات للوصول لاتفاق بين الطرفين بالأساس بسبب إصرار الدولة على حل واحد ووحيد، وهو ضم سكان وادي النعم الى قرية شقيب السلام القريبة.
معارضة اهالي القرية للانتقال الى شقيب السلام، تنبع من اختيارهم الحفاظ على أسلوب ونمط حياة زراعية ريفية والحفاظ على العادات والتقاليد العربيّة البدوية التي يواصل السكان اليوم التمسك بها والتي لا يمكن ان توفّرها لهم شقيب السلام المكتظّة، التي تعاني من شحّ الميزانيّات والخدمات. بناءً على ذلك، في عام 2014 التمس السكان من خلال جمعية "بمكوم"، مخططون من أجل حقوق التخطيط و"جمعية حقوق المواطن" لمحكمة العدل العليا ضد مخطط نقلهم الى منطقة صغيرة في جنوب شقيب السلام رغم معارضتهم الشديدة ورفضهم القاطع لهذا المخطط.
في أعقاب الالتماس وبتوصية من المحكمة العليا تم تحديث المفاوضات والتداول في مؤسسات التخطيط، وكان السكان قد قدموا اقتراحين بديلين لموقع القرية وحدودها. بتاريخ 2016/01/05 في نهاية المسار الذي استمر عدة أشهر اتخذ المجلس القطري للتخطيط والبناء (الهيئة التخطيطية الرسمية الأعلى في البلاد) قرارًا هامًا - يشير إلى جانبين من جوانب التخطيط: من جهة أوصى المجلس القطري للحكومة بالاعتراف ببلدة وادي النعم. هذا القرار يعني اعتراف مبدأي بحقوق الأهالي المقيمين في قريتهم على مواصلة العيش فيها. من جهة أخرى، لم يحسم المجلس قراره بشأن حدود القرية وكيفية تخطيطها! لكن المجلس أشار في قراره الى أهمية اشراك السكان في إقرار حدود القرية مع الأخذ بعين الاعتبار ضمان الحفاظ على صحة الجمهور، وتقليل الاخطار البيئية النابعة من المصانع الكيميائيّة في منطقة نفوذ "رمات حوفاف" والأخذ بعين الاعتبار العوائق الناجمة عن المنطقة العسكريّة "رمات بيكع" من فترة لأخرى، بموجب التقارير والمعلومات الدورية والتقييدات التي يتم تحديدها من فترة لأخرى.
توصية المجلس القطري للتخطيط والبناء هي قرار هام ومفصلي، لكن لا يزال هناك طريق طويل أمام أهالي وادي النعم للحصول على الاعتراف الكامل، الأمر الذي يتطلب قرارا حكوميًا ولجنة وزارية، للإعلان عن بلدة جديدة.
التجارب السابقة توضح أن التوصية لا تستنفذ دائمًا، فعلى سبيل المثال قرية رخمة، حصلت على توصية مماثلة من قبل مؤسسات التخطيط لإقامة بلدة جديدة في العام 2014، لكن منذ ذلك الحين لم تتبع هذه التوصية أي خطوة فعلية، وما زال السكان يعانون من هدم بيوتهم وحرث أرضهم وتدمير مزروعاتهم.
الأمر الآخر الذي يجب التنويه اليه هو قضية حدود القرية وتخطيطها، لأن وجود قرار حكومي يعترف بقرية وادي النعم، بدون التطرق لمسألة الحدود يبقي الأمر على ما هو، فمسألة الحدود هي قضية حاسمة في هذا الصدد، وهناك العديد من التحديات التي تواجه الاعتراف والتخطيط وكيف يود أن يرى الأهالي قريتهم، بشكل يعبر عن رغباتهم وتطلعاتهم ويلبي احتياجاتهم الأساسية. الاعتراف بدون تخطيط سليم وبمشاركة السكان وعكس رغبة وطريقة حياة السكان هو كعدمه!
ان جهود ونضال أهالي القرى العربية غير المعترف بها هو اللبنة الأساسية لنيل الاعتراف، وأهالي وادي النعم مستمرون في نضالهم من أجل الاعتراف الكامل. انتزاع الاعتراف من مؤسسات التخطيط الرسمية في هذه المرحلة هو انجاز جيد جدًا لحث الأهالي على مواصلة نضالهم. المرافعة القانونية والتخطيطية هي دعائم وركائز لا بد منها، لكن بدون النضال الشعبي وتضافر جميع الجهود للتأثير على القرار السياسي لانتزاع الاعتراف الكامل لن نتقدم لخطوة أخرى للأمام.
نضال أهالي القرى غير المعترف بها في وادي النعم ورخمة وكل القرى بحاجة الى دعم وتدعيم متواصل، لحث الأهالي على خوض عراك الاعتراف، وتوفير اليات الدعم القانونية والتخطيطية والشعبية وبناء الأطر المحلية الفاعلة والقادرة على إدارة وقيادة معارك الاعتراف. لذلك هناك حاجة الى دعم وتواصل مستمر ودائم مع القرى غير المعترف بها، للنهوض بها من أجل الاعتراف.
*الكاتبة هي محامية في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، وتتمثّل اهالي قرية وادي النعم بالتعاون مع جمعية بمكوم امام المحاكم ومؤسسات التخطيط.
[email protected]
أضف تعليق