لقد بدأ الفلسطينيون حملة اطلاق سراح شاعرهم أشرف فياض الذي حكمت عليه محكمة سعودية بالاعدام بتهمة "الترويج لأفكار إلحادية وسب الذات الالهية" في السابع عشر من الشهر الجاري عندما تم الاستئناف على الحكم القديم والقاضي بسجنه 4 سنوات وضربه 800 جلدة، لم تكتف الجهات المسئولة هناك بذلك الحكم بل رفعته إلى الاعدام. كان أشرف قد أصدر ديواناً شعرياً عام 2008 بعنوان "التعليمات بالداخل" استدعى بعده إثر شكوى من مواطن كان قد اعترض على بعض ما جاء في الديوان ثم أطلق سراحه بعد التأكد من أن ما جاء في الديوان لا يثبت الاتهام وهو ما ينفي عنه التهمة التي تمت محاكمته من أجلها لكن الادانة استندت إلى أقوال شاهد اثبات قال انه سمعه "يسب الله والرسول والسعودية" هنا إذن التهمة الحقيقية "سب السعودية" أما أية اتهامات أخرى يعتقد أنها لتبرير الحكم باستغلال العواطف الدينية، ففي الوطن العربي تتسامح الأنظمة في كل الاتهامات إلا سب الملك أو الرئيس وتلك تعلو على أية اتهامات أخرى وتستحق السحق والاعدام. بالاضافة لكونه شاعر فإن أشرف فياض هو فنان أيضاً، وقد قام بتمثيل السعودية في عدة معارض دولية لكن المفاجيء هو أن ديوان شعره الذي تمت محاكمته بسببه قد تم عرضه وبيعه في أكثر من معرض للكتاب في السعودية، ما يعني أن النصوص الواردة في ديوان الشعر قد تمت مراجعتها من قبل الهيئات المسئولة والتي سمحت بطباعة ونشر وبيع الكتاب منذ سبع سنوات.

والد الشاعر نفى التهم الموجهة لابنه قائلاً على قناة فرنسا 24 إن ابنه اختلف مع أحد السعوديين في مقهى أثناء مشاهدتهم مباراة كرة قدم فهدده بالاعتقال والترحيل إلى غزة، ويبدو أنه قام بتحريض اللجنة المسماة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" والتي قامت باعتقال الشاعر، إذن المسألة كيدية لكن كيف لدولة أن تذهب بعيداً حد الاعدام على شاعر وفنان فقط لأنه اختلف مع مواطن من أبناء البلد. لقد قام محامي الدفاع عن الشاعر باحضار شهود النفي وهم كثر من الذين تواجدوا في المقهى لكن المحكمة لم تأخذ بشهادتهم وأصرت على قبول شهادة فرد واحد وهو الذي قام بالتجني على الشاعر كانت تلك وحدها كفيلة بتبرئته لو أراد القضاء أن يتعامل بموضوعية بعيداً عن الاستهداف الكيدي، تكررت تلك الحادثة مع أكثر من فلسطيني في أكثر من بلد عربي حيث يغيب القضاء النزيه والمحاكمات العادلة وتكثر التهم الملفقة. في الدول العربية الفلسطيني المشتت مهان يعيش متلفتاً حوله لا يستطيع التعبير عن رأيه أو الاختلاف مع أحدهم، يعامل درجة ثانية حتى لو عاش في تلك البلاد نصف قرن كما عائلة فياض التي تقيم في أبها بالسعودية منذ خمسين عاماً، لذا فإن التوق الفلسطيني للاستقلال هو حاجة الفلسطيني الانسانية للحياة كما البشر، أن يعيش في وطنه متحرراً من سيف الاعتقال والترحيل وانهاء حياته واستقراره في أية لحظة كما حصل للجالية الكبيرة في الكويت قبل ربع قرن نتاج الخلاف النفطي بين العراق والكويت التي فقدت استقرارها التاريخي خلال 72 ساعة. يريد الفلسطيني أن يقيم دولة وأن يعيش فيها مواطن درجة أولى، متساويا مع أبناء جلدته بعيدا عن دونية رافقته وهو يتنقل طريدا من مدينة إلى أخرى ومن مطار إلى آخر في رحلة من العذاب والمعاناة التي طالت إلى الحد الذي لم يعد يحتمله ، يريد دولة وسيادة ومطار يبتسم فيه مراقب الجوازات الفلسطيني وهو يتمنى له رحلة سعيدة بدل مطارات الكون التي تصاب بالالتئاب لحظة إبراز الجواز الفلسطيني كأنه لعنة تستدعي وضع حامله في غرف التحفظ والترحيل.

يريد الفلسطيني دولة ليقول ما يشاء ويكتب ما يشاء دون الخوف من الخلاف أو الاختلاف مع أحد .. دون الخوف من الوشايات وأذرع الأمن العربية التي تفتش في فنجان قهوته كما قال أحد الشعراء .. أن يكون له قضاء فلسطيني أن يحتكم لدستور فلسطيني توافق عليه الفلسطينيون جميعا لا دساتير لأمم وشعوب أخرى ..أن يقيم قضاء فلسطينيا تكون مرجعيته القوانين الفلسطينية لا قوانين وقيم وتراث الآخيرن وأمزجتهم وملوكهم . مشكلة السعودية هي غياب القضاء وأن بها محاكم شرعية وبلا دستور وأن لا محاكم مدنية سوى للعمال فقط ودون ذلك فإن كل الاتهامات والخلافات تتم وفقا لمحاكمات بعيدة عن روح العصر ومشاكله الطارئة والمستجدة مع تعقيدات الحياة .. إنها دولة تعيش الماضي بكل تفاصيله لا تحتمل الاختلاف ليس مع الأسرة الحاكمة وأدائها بل مع أصغر مواطن والتهمة جاهزة وأذرعها متحفزة لممارسة السجن والجلد والإبعاد والإعدام حتى .

ما يهمنا هو إطلاق سراح الشاعر أو ترحيله إلى حيث الشتات الذي لا ينتهي بالنسبة للفلسطينيين إلى أي بقعة في الكون لا تتربص به ولا تنصب له محاكم تفتيش القرون الوسطى لمجرد أنه قال .. لن نقبل أن يعدم الشاعر كما يرفض الفلسطينيين محاكمته وجلده فمثقفينا يتوزعون في شتى بقاع الأرض ومهنتهم الوحيدة هي الكتابة والنقاش نحن نعتز بهم وبما قدموه هم جزء من أعمدة الثقافة الفلسطينية بدء من محمود درويش وسميح القاسم وتميم البرغوثي وغيرهم الكثير ممن كتبوا فلسطين على الريح لتسافر إلى الوعي العالمي الذي عرفها بلون شعرهم لا نقبل أن يمس أي من الأحياء لأنهم جزء من معركة الدفاع عن الوطن وعن الهوية ببعدها الثقافي العالمي .

تذهب التيجان والممالك وتبقى الكلمة التي قالها الشعراء مخلدة عبر التاريخ وقد احتفظ التاريخ بكلمات الشعراء أكثر مما احتفظ بكلمات الزعماء فكيف لدولة أن تعدم شاعر في الألفية الثالثة لأنه قال ؟ هذه وحدها تشكل محاكمة لتلك المملكة وإذا ما تم إعدامه فستبقى الحادثة شاهدة على الإرث والثقافة السعودية العائدة للقرون الوسطى ومحاكم التفتيش وحكم المطاوعة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]