صادقت "الكنيست الإسرائيلي"، الأربعاء، على اقتراح قانون تقدم به عدد من أعضاء الكنيست من مختلف الأحزاب السياسية، مثلت اليمين، الوسط واليسار من حيث الموقف، يلزم تدريس اللغتين العربية والعبرية في المدارس اليهودية والعربية الحكومية ابتداءً من الصف الأول.

وكانت النائب حنين زعبي، من التجمع الوطني الديمقراطيّ، قد قدمت هذا القانون للكنيست الثامنة عشر والتاسعة عشر إلا أنه رُفض وتم قبوله في الكنيست الحاليّ فقط بعد أن قام عضو كنيست من الائتلاف الحكومي اليميني (اورن حزان) بتقديم نفس القانون وقبوله من قبل اللجنة الوزارية.

وعلى الرغم من تقديم القانون من عددٍ من أعضاء الكنيست إلا أن أسباب ودوافع كل جهة مختلفة عن الأخرى، ففي حين اعتمدت النائب زعبي في تقديمها لاقتراح القانون على أنّ اللغة العربية لغة رسمية وتعلمها في المدارس يعزز هوية الفلسطيني وثقافته، ويحوّل مكانتها الرسمية من شعارات إلى تطبيق على أرض الواقع، كانت دوافع بقية أعضاء الكنيست "أمنية" بالأساس ودعمًا لمفهوم "التعايش" (العربي- اليهودي) دون اعتراف ضمني بحق الفلسطيني في ترسيخ لغته واستعمالها.

اعضاء الكنيست يفسرون ...

وعادة ما يقوم عضو الكنيست بتقديم تفسير لاقتراحه القانون ليقنع بقية الأعضاء، وعددهم 120، بالتصويت له. وفي تقديمه للقانون قال عضو الكنيست اورن حزان (الليكود)، والمعروف بعدائيته للفلسطينيين عامةً، وهو من الائتلاف الحكومي: اللغة العربية مُعرفة أنها لغة رسمية في البلاد، واللغة بشكل عام هي بوابة للثقافات والحضارات، وتعلمها في المدارس يجب أن يعّرف كـ "قيمة" عليا، حيث تساهم في فهم الآخر (الفلسطيني).

ومقابل "القيمية" التي عبر عنها حزان فصّل مضيفًا: فهم اللغة العربية يعزز الأمن، ففهم لغة الآخر في الوضع الأمني الحاليّ يساهم في رفع مستوى ومنسوب الأمن الفردي (والقصد للإسرائيلي) ومن المُحتمل أن تُشكل جسرًا للتواصل والحوار بين الشعبيّن.

مقابل وضوح حزان، فضًل عضو الكنيست يوئيل حسون (المعسكر الصهيونيّ)، وهو ايضًا مبادر للقانون لكنه من المعارضة، وتقارب مواقفه اليمين-وسط إسرائيلي، فضَل التطرق إلى القانون كجسر للشراكة العربية-اليهودية في البلاد. وشدد في اقتراحه للقانون: من أجل فرض لغة حوار مفهومة، غير مشبعة بالخوف وعدم التفاهم، علينا فرض تعلم اللغة العربية واللغة العبرية على الطلاب بدءً من صف الأول.

اما كتلة "ميرتس" اليسارية، فقالت مفسرة تقديم القانون من قبل ممثلها النائب العربيّ عيساوي فريج: أن قرار تقليص عدد الساعات التعلمية للغة العربية في المدارس الثانوية تمس بالطلاب اليهود للتعرف والتعلم أكثر عن جيرانهم العرب. نسبة العرب في البلاد تصل إلى 20% عليه من غير المقبول ألا يتعلم الطلاب اليهود اللغة العربية.

زعبي: دوافعهم أمنية 

بدورها قالت النائبة زعبي أثناء عرضها للقانون أن هذا القانون يعكس "احتراما متبادلا" ويقدم "مفهومًا آخرًا للمساواة، مبني على أساس المساواة في الهوية والانتماء والثقافة".

وشددت زعبي أنّ "المساواة لا يمكن أن تتم دون هوية ودون سياق تاريخي للأطراف، وأن اللغة هي مركب مهم من مركبات الهوية، وبصفتها تلك علينا ألا نخاف منها ولا من أي هوية تعكس انتماءً إنسانيا لا عصبيا، وألا نعتبرها تهديدًا ولا مدعاة للتحريض، بالعكس فإن عدم الاعتراف بهوية الشعوب ومحاولة قمعها، هي أحد دوافع الصراعات".

وأضافت زعبي أنّ "اللغة العربية هي لغة المواطنين العرب وهي لغة أصيلة في هذه البلاد، بالإضافة إلى أنها لغة 52% من المواطنين اليهود، الذين فقدوا ارتباطهم مع جذورهم التاريخية ومع ثقافتهم".

ونوهت زعبي أن ""الرامبام" الذي يتباهى به اليهود كأحد أهم فلاسفتهم، أنتج فلسفته باللغة العربية، وأنه لذلك يعتبر جزءً من الثقافة العربية التي نفتخر بها، وأن عدم معرفة اللغة العربية يؤدي إلى أن التراث العربي اليهودي هو تراث غير متاح للمواطنين اليهود أنفسهم".

وفي حديثٍ خاص معها قالت زعبي أنّ اقتراح القانون مر فقط في القراءة التمهيدية، وأنّ هنالك 3 قراءات إضافية يجب أن يمر بها قبيل المصادقة عليه نهائيًا، ناهيك على أنه يصل أيضًا لملاحظات لجنة التربية والتعليم، مما يوضح أنه من المبكر اعتماده كقانون ساري المفعول.

وردًا على سؤالنا حول دوافع بقية أعضاء الكنيست المقدمين لاقتراح القانون علمًا أن معظهم صوت ضد القانون سابقًا، قالت زعبي أنّ الموضوع الأمني يلعب دورًا مهمًا، صحيح ان مراجعة أوليّة لتفسير اقتراحات القانون التي قدمت من قبلهم تشير إلى أنّ التركيز على الجانب الأمني غير كبير، إلا أنّ الذي حضر جلسات لجنة التربية والتعليم في الكنيست، الأربعاء، يرى هواجس الموضوع الأمني وكيف يسيطر عليهم مما يدفعهم إلى تعلم اللغة العربية.

لجنة متابعة قضايا التعليم ضد!

بدورها، أكدت لجنة متابعة قضايا التعليم، وهي هيئة غير مؤسساتية منبثقة عن لجنة متابعة قضايا الجماهير العربية، أنّ اقتراح القانون يمس بالطلاب العرب. وقال عاطف معدي، مدير اللجنة، في حديثٍ لبكرا: موقفنا واضح من القانون منذ البداية، وقبل أن يحوّل إلى قانون، حاول وزير التربية والتعليم الحالي، نفتالي بينت (البيت اليهودي)، فرض تعليم اللغة العبرية على الطلاب العرب أملا أن يغني ابن صف أول باللغة العبرية، لكننا حاربنا الموضوع لاعتبارات تربوية بحت.

وأوضح معدي: عادةً وفي المراحل الأولى للمدرسة يحتاج الطالب العربي إلى تعزيز لغته الأم وتعلمها بصورة معيارية سليمة وإتقانها، وبعد ذلك وفي مراحل متقدمة ممكن إدخال لغات أخرى كالمنهاج وهذا مفضل في الصف الثالث في الابتدائي وليس الأول".

وقال معدي في حديثه: واضح أن وزير التعليم لم ينجح في فرض القرار على المدارس، لذا دفع نحو تحويله إلى قانون، وفي حال دعم الفكرة بصفته وزيرًا، سهل جدًا المصادقة عليها كمشروع قانون من قبل أعضاء الكنيست، خاصة وأن الاعتبارات التي سيعلن عنها هي "تعزيز مفهوم التعايش".

وأختتم معدي قائلا: كان حري تحويل تلك الميزانيات التي تخصص لفرض القانون إلى حصص تعليمية للطلاب العرب، وإلى دورات استكمال وتوجيه للمعلمين العرب، للعمل على سد الفجوات ما بين التعليم العربي والتعليم اليهودي والذي يعاني من سياسة التهميش والتمييز بصورة كبيرة.

مكانة اللغة العربية ..

بقي أن نشير أنّ اللغة العربية في إسرائيل تعّد لغة رسمية، وقد تحددت مكانتها قبل النكبة بموجب المادة 82 لدستور فلسطين من سنة 1922 والذي ينص على أنّ "جميع القوانين والانظمة والأوامر اثر رسمية للحكومة والأنظمة المحلية للبلديات في المنطقة، التي تصدر عن المندوب السامي يجب ان تنشر في الانجليزية، العربية والعبرية ويمكن استعمال اللغات الثلاث تحت اشراف أي تعليمات تصدر من قبل المندوب السامي في الدوائر الحكومية وفي قانون المحاكم"، ورغم أن إسرائيل ادعت احترامها للقوانين التي شرعت فترة الانتداب إلا أنها عملت على تغييب وتهميش اللغة العربية على أمل طمس الهوية والثقافة والرواية الفلسطينية لفرض هيمنة العبرية والرواية الصهيونية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]