إن كشف القيادة الإسرائيلية لشعبها عن كذب أبو مازن بخصوص قتل الفتى أحمد مناصره يصبح لا قيمة له مقارنة مع محاولة هذه القيادة إضفاء غطاء على كذبها هي على شعبها، وتضليلها له، وينطلق هذا الغطاء، والكذب، والتضليل من قول نتانياهو في خطابه في الكنيست خلال افتتاح دورتها الشتوية الحالية قبل أيام "الارهاب ليس نتيجة للإحباط بل نتيجة للرغبة في القضاء علينا " على حد قول نتانياهو، مستغلاً بذلك سذاجة الكثيرين من الجوعى، والفقراء، والمضللين من الشعب الإسرائيلي لتأليبهم على المواطنين العرب في البلاد، وتغذية حقد المتطرفين من الشعب الاسرائيلي تماماً مثلما فعل أثناء إجراء الانتخابات الأخيرة في إسرائيل.

وهنا يسوقنا كلام نتانياهو هذا إلى التحري، وتقصي الدافع الحقيقي وراء هذه التصريحات، فلو رجعنا إلى تقرير "الفقير البديل" الذي نشرته جمعية "لاتيت" التي تعتني بشؤون الرفاه الاجتماعي، والفقر في إسرائيل، في نهاية شهر كانون الأول 2014، نعم في إسرائيل وليس في غيرها أي أن هذه الجمعية غير تابعة لمن يقف القضاء على إسرائيل دافعاً وراء ارهابهم على حد قول نتانياهو، نجد أن عدد الفقراء بين أوساط المواطنين الإسرائيليين يصل إلى ما يزيد عن 2.54 مليون فقير أي ثلث المواطنين في إسرائيل، والدليل على ذلك عجز المواطن العادي اليوم عن شراء كيلو بندورة من الاسواق الشعبية التي عادة ما تكون البضائع فيها أرخص من غيرها حيث يبلغ سعر كيلو البندورة اليوم حوالي الخمسة عشرة شيكلاً أو يزيد. وإلى الصحافة الإسرائيلية الصادرة في نفس الاسبوع الذي قال فيه نتانياهو "الارهاب ليس نتيجة للإحباط بل نتيجة للرغبة في القضاء علينا " لوجدنا أن النيابة الإسرائيلية قد قدمت لائحة اتهام ضد حاخام إسرائيل الأسبق يونا متسنجر بتهمة تلقي الرشوة، وإن الشرطة حبست قائد محطة شرطة من منطقة حيفا بتهمة الحصول على رشوة، وتشويش مجرى التحقيق، ناهيك عن أن قيادة الشرطة لم تجد رجلاً ملائما من بين صفوفها ليتولى القيادة العامة للشرطة بعد أن استقال عدد من كبار ضباطها من مناصبهم بسبب المضايقات الجنسية وغيرها، وكذلك ألقت الشرطة القبض على رئيسين من رؤساء عصابات الجريمة المنظمة الناشطة في إسرائيل، واخضعت أحد رؤساء فرق كرة القدم للتحقيق بتهمة التوسط للحصول على رشوة في قضية ضابط الشرطة آنف الذكر، وكذلك لو نظرنا إلى حال الدول العربية في الوقت الراهن التي قد يقصدها نتانياهو أنها تنوي القضاء على إسرائيل لوجدنها عاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها لو هاجمتها إسرائيل، هذا أن كانت هناك دول عربية لأن ما تسمى بالدول العربية كمؤسسات رسمية محصورة اليوم في القصر الرئاسي، أو الملكي، وجيوشها مرصودة لحماية هذا القصر إن استطاعت، ناهيك عن أن بعضها ستقتني على ذمة الصحافة الإسرائيلية منظومة صواريخ " القبة الحديدية" المضاضة للصواريخ من الشركة الأمريكية المنتجة مع علم هذه الدول أن هذه الصواريخ تم تطويرها في إسرائيل، بالإضافة لذلك هذه الدول ملزمة سواء كان ذلك بخاطرها، أو رغماً عنها بمبادرة السلام العربية، وإلى حماس فثمة بينها وبين إسرائيل اتفاق وقف نار يلزمها بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل ناهيك عن انشغالها بالحصار الذي يفرضه السيسي حليف إسرائيل علي فقراء، وجوعى غزة، والى السلطة الفلسطينية التي لا تقوى على توفير لقمة العيش للفلسطينيين إلا بتصريح من إسرائيل، وسط التنسيق الأمني الذي يهدف إلى حماية إسرائيل لا إلى القضاء عليها، وإلى حزب الله الذي نجده مشغولاً في الحرب الدائرة في سوريا، والى إيران حيث نجد أن مسرحية خوف إسرائيل من السلاح النووي الإيراني قد انفضحت وانكشفت بعد الاتفاق الإيراني الأمريكي حيث لا يخفى على أحد أن هذا السلاح معد لمحاربة المسلمين السنة في الخليج العربي، وفي غير الخليج خاصة وأننا نعيش في عصر الصواريخ عابرة القارات التي تمتلك إيران مثلها، والى المواطنين العرب في إسرائيل نرى أن تقرير الفقر المذكور يشملهم بل هم أغلبية الفقراء العظمى ومن كان حاله كهذا لا يفكر إلا في الحصول على قوت يومه.

ما جاء أنفاً يحتم على كل عاقل أن يطرح على نفسه سؤلاً مفاده هل فعلاً العرب قادرون على القضاء على إسرائيل وحتى يفكرون في القضاء عليها، أم أن الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى ذريعة تصرف نظر المواطنين اليهود في إسرائيل عن الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية السيئة السائدة في إسرائيل؟

ما دام العرب دولاً ومنظمات مشغولون بأنفسهم، وبهمومهم الداخلية حيث تحتم عليهم الظروف التي يعيشونها استجداء رضى إسرائيل لا محاربتها، وما دام الفساد يكاد لا يفسح عن مرفق من مرافق حياة المواطن الاسرائيلي الدينية، الرياضية والمؤسساتية وما دامت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة برئاسة نتانياهو وغيره عاجزة عن إخراج المجتمع الإسرائيلي من فقره ومن فساده السلطوي والاخلاقي، يبقى الشق الثاني من السؤال هو الأصح.

فالحكومة الإسرائيلية لا تستطيع في الوقت الراهن إن تشير إلى أي من الدول العربية، ولا إلى السلطة الفلسطينية، ولا إلى المنظمات العربية حتى المقامة منها، ولا إلى إيران بأنها تسعى للقضاء على إسرائيل لأنها لن تجد من يصدقها حتى من بين أوساط الشعب الإسرائيلي نفسه لأن هذه الموضة، وهذا الموال قد عفى عليهما الزمن. فأصبحت بحاجة لخلق سبباً تصرف به نظر الشعب الإسرائيلي عن وضع إسرائيل الاقتصادي الذي يعكسه تقرير الفقر المذكور وعن منظر الشيوخ والعجائز وهم ينبرون في حاويات القمامة في أنحاء إسرائيل طلباً لقوت يومهم، وعن الافلاس الأخلاقي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي كما تطالعنا الصحف الإسرائيلية يومياً تقريباً، فما وجدت أمامها إلا أن تسمح الأعضاءها، وإلى الجماعات اليهودية المتطرفة بالدخول إلى المسجد الأقصى المبارك بالرغم من وجود وضع قائم على مدار سنين يحترمه الجميع يهوداً وعرباً، وبالرغم من أن الكثيرين من الحاخامات اليهود يعتبرون أن دخول اليهود للمسجد الأقصى مخالفاً للشريعة اليهودية ليصبح الكذب سيد الموقف في إسرائيل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]