غداً ستخطو أولى خطواتك في طريق لن ولم ينته، غداً ستمضي وحدك كفارس أمير يتم إعداده لمعركة مستمرة في كافة جوانب الحياة، غداً ستكتسب مفاهيم جديدة للأسماء والأفعال: مدرسة، معلم/ة، كتاب، وظيفة، قلم، حقيبة، امتحان، قصيدة، رياضيات، حصة، نشيد وطني، موسيقى... غداً ستمضي طالب مدرسة بالصف الأول في المدرسة. لن أمارس معك دور الأب والابن، ولن أمارس أيضاً دور المعلم والطالب في هذا المقال؛ لكن اسمح لي أن أكتب لك ما تعلمته في هذا الطريق الذي لم ولن ينتهي بعد، اسمح لي أن نتحدث بعيداً عن التقاليد والعادات ونخرج من الدور المجتمعي المرسوم لي كأب ولك كابن ونتمرد قليلاً في مساحة هذا المقال.
قالوا بأن الحياة مدرسة؛ بالتأكيد لكن المدرسة بمفهومها التقليدي لها نكهة مختلفة فهي أول العلم والتعلم، أول الصح والخطأ، أول البناء والهدم، أول التمرد والانضباط، أول السؤال والجواب، أول الحرف والرقم، للمدرسة حياة في حياة، داخلها عالم وخارجها عالم، ستتعلم النظريات التي ستتكسر على عتبات أول التجارب العملية. إذن تعلّم بأن المدرسة أيضاً حياة مختلفة تكبر أنت معها كل يوم بطرق تجعل منك من أنت ستكون عليه في المستقبل.
ستخضع لسلطة جديدة خارج مفهوم العائلة، لها قوانينها وإرشاداتها وأحكامها، وتبدأ بنسج هذه العلاقة ما بينك وبين مكونات هذه السلطة داخل أسوارها، ففضاء المدرسة هو المجتمع ولك أن تتخيل من هو المدير والمعلم والطالب ومن أنت في هذا الفضاء، لن يعجبك كل شيء ولن تكره كل شيء، لكنك عليك أن تكون في شيئية كل الأشياء المكونة لهذا الفضاء، تقرأ، تلعب، ترسم، تُسأل فتجيب، تقع في الخطأ لتنهض من تجربة لأخرى، تبكي لتبتسم، في شيئية الأشياء التي ستعيشها بهذا الفضاء أشياء جديدة ربما لم أتعلمها أنا، سأكون سعيدا لتعلمها منك، على الرغم من الاختلاف بيني وبينك في الفضاء الزمني لهذه السلطة وبالتالي استخدامها أدوات جديدة إلا أنني سأكون مستمعا جيدا لك، ونحاول معاً تفكيك رمزية ما وراء هذه الأدوات لتصل أنت الى قمة نجاح التعلم باكتسابك معرفة، مهارة، سلوك وبالتالي تكوين موقف يساعدك في التعامل مع شيئية الأشياء خارج جدران فضاء المدرسة.
منذ يومك الأول عليك أن تميز ما بين النجاح والفشل، يجب ان تستوعب بأن هناك من سيرسم بنجاحه فشلا وبفشله نجاحا، الناجح ربما سيواجه مصيرا لم يكن يتوقعه والفاشل كذلك، فالطريق ليس كما نرسمها ترسم بالرغم من أننا نحن من اختار اللوحة والريشة وعلبة الألوان. لهذا الاستمرار بالطريق هو النجاح، وأن ترضى بالفشل كأنه مصير هو الفشل بحد ذاته.
ولدي خطاب.. ستمر الأيام والسنوات سريعة حتى تتخرج من هذا الفضاء الجديد لتدخل فضاء آخر جديدا، ستخوض العديد من التجارب وتقرأ العديد من الكتب وتحفظ الشعر وتحاول إيجاد حلول للمعادلات الكيميائية والفيزيائية، في كل عام ستضيف لمخزونك المعرفي شيئا جديدا، وربما تتمرد على مخزونك المعرفي بمعلومات أخرى جديدة في كل عام، اقرأ ما وراء الدرس ولا تكن ضائعا في معادلات الرياضيات، وبدرس التاريخ لا تقف عند نص الكتاب فهناك تاريخ لم يكتب أو تاريخ ضائع مختبئ هنا وهناك.
ويجب أن تعلم بأن عملية التعليم ليست فقط شهادة، وعملية التعلم تستمر بها منذ دخولك غداً باب المدرسة حتى تصل الى اللحد، استمر في التعلم واحصل على ما تريد من الكتاب وغير الكتاب، ولا تعتبر أي سؤال أو امتحان عائقا في بناء ما تريد، استمر في طريقك كيفما تشاء وتحمل مسؤولية خياراتك، فأنت الوحيد من سيقرر النجاح أو الفشل... والنجاح ليس حظا، النجاح هو بناء الذات فيما تريد أنت.
علاقة الطالب مع المعلم علاقة تكاملية رغم الاختلاف بوجهات النظر، تعلم كيف تواجه المعلومة بمعلومة، بفكر، تعلم خارج فضاء الغرفة أو القاعة من الأنشطة اللامنهجية، العلم واحد في كل المدارس والجامعات لكن الاختلاف هو كيف تتم العملية التعليمية.
حين تكبر ستقوم بجرد ما لك وما عليك، أين أخطأت وأين أصبت، استمر بطريقك كيفما تشاء، ستقف عند منحدرات ومفترقات الطرق وتستمر في مراكمة التجارب والجروح، لكن استمر كما يستمر الحصان في السباق لا يتوقف مهما كانت نتيجة السباق، المهم أن تصل للمكان الذي أنت تريده. غداً سأكبُر وتكبُر، وأنت على عتبات أولى خطواتك تذكرني في كل خطوة من خطوات مستقبلك، حين تطفئ شمعة وتبدأ عاما جديدا في حياتك سأحاول أن أضيء لك قصيدة.. مقالا... كتابا.. أغنية.. حين تطفئ شمعة سأحاول أن أكون لك النور لطريقك أنت كيفما تريد أنت، حين تصعد درجة سأحاول أن أكون ما علمته طفولتك لي.
[email protected]
أضف تعليق