قابلت خلال الأسبوع الماضي وزراء وأعضاء لجنة مركزية في حركة فتح وأعضاء لجنة تنفيذية في منظمة التحرير وقادة من مختلف الفصائل الوطنية في أكثر مناسبة.. وفي مختلف اللقاءات كان الحديث يدور حول الأوضاع الصعبة التي تمر بها "البلد"، والكل يُجمِع على أننا في وضع ربما هو الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، والأسباب متعددة وكثيرة... تبدأ من الاحتلال وممارساته ولا تنتهي بمشاكلنا الداخلية وضيق صدرنا تجاه تناقضاتنا الثانوية.

الجميع يُفتي، ويتأوّه، ويتململ... ولكن لماذا وصل الحال إلى ما نحن عليه الآن؟ وإذا كانت القيادات والنخب هي التي تصرخ، فماذا نقول عن المواطن الذي لم تعد تهمه السياسة كثيراً، ولم يعد يهمه من سينجح في الانتخابات؟ ابتداءً من انتخابات مجالس أمور الطلبة في المدارس وليس انتهاء بانتخابات اللجنة التنفيذية المقررة في منتصف الشهر المقبل.

يعيش المواطن في ظل حالة من الاحتقان، وهو لا يرى في المستقبل حلولاً للأوضاع السيئة التي تنعكس على مفاصل حياته كلها.

دعونا ننطلق من مقولة إن الاحتلال هو السبب، والكل فينا على قناعة بأن الاحتلال هو المحرّك الأساسي لكل المآسي التي يمر بها الشعب الفلسطيني، ولكن إذا كان الاحتلال هو السبب، فمن المفترض أن يكون تناقضنا الأساسي مع هذا الاحتلال وإفرازاته.

ليس هذا فقط، ولكن مطلوب من القيادة والنخب، أيضاً، إرشاد المواطن إلى كيفية الخلاص من الاحتلال... وما هي الاستراتيجية الموضوعة في هذا المجال... وهل يمكن أن تؤتي أُكلها... لعله يقتنع بصواب المسيرة، وبأن السنوات العجاف من الصمود والصبر وتحمُّل الأوضاع السيئة لن تذهب سدىً، أم أننا سنظل في دائرة تشخيص المرض "وهو الاحتلال"، دون أدنى جهد في صرف العلاج أو حتى إطلاع الجمهور على مكوّنات هذا العلاج...

يبدو أن الأمور ليست بالسهولة التي يتحدث عنها البعض، ويبدو أن الاحتلال وإن ظل تناقضاً رئيساً وأساسياً لنا إلاّ أننا خلقنا مجموعة من التناقضات الداخلية التي أصبحت تمثل خطراً كبيراً على المشروع الوطني برمته، فلماذا برزت تناقضاتنا الداخلية في هذه الفترة بالذات؟ ولماذا تم العمل على توسعتها... بحيث تخلخلت ساحتنا الداخلية، وضعفت قوة تماسكنا؟ بل إن الضرب "تحت الحزام" استعر في الأشهر الأخيرة... وخير دليل على ذلك هذا الكمّ من المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة التي تنقلها صحافة المواطن، وأقصد هنا وسائل الإعلام المجتمعية، بحيث تبدو الأمور من خلال صحافة المواطن أن وضعنا الداخلي يتجه إلى شفا الكارثة...
ربما كان أخطر ما يمكن ملاحظته أن النخب الوطنية سواء كانت مقربة من السلطة التنفيذية أو بعيدة عنها أصبحت تشكل مجموعة من الشللية أو "العشائرية الثقافية" وأصبحت كل شلّة أو عشيرة ثقافية أو سياسية تصارع من أجل فرض أجندتها، بكل الوسائل الممكنة والمتوافرة، حتى ولو كانت بالمرور على جثث ضحايا الإشكالات الداخلية أفراداً أو مؤسسات...

هذا الوضع من الصراع أصبح واضحاً، وهو ما زاد من حدّة الضغوط التي يعاني منها المواطن، وانعكس على مبدأ الثقة، الثقة بالمسؤول والثقة بالجمهور والثقة بالقيادات، حيث أضحى التشكيك هو سيّد الموقف، وإذا سألت أي مواطن عن أوضاعنا فستكون الإجابة قائمة على عدم الاكتراث أو التشكيك في كل شيء... حتى التشكيك بأن المستقبل سيكون أفضل...

كثير من المخاضات الصعبة تجاوزها الشعب الفلسطيني الصابر بقوة إيمانه واعتقاده بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، ولاعتقاده بأن فلسطين أكبر من الجميع... ولكن عندما تسيطر تناقضاتنا الداخلية علينا وتُعمي بصائرنا، وتصبح لغة النفاق هي السائدة... والمصالح الذاتية والمكاسب هي الأهم، فإننا نستطيع القول "لا حلول لأوضاعنا السيئة".

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]