عند انتخابه للجنة تعيين القضاة، صرّح عضو الكنيست إيلطوڤ بما يلي: "كلّ من يمتنع عن نشيد هتكڤا لا يُعيّن قاضياً في دولة إسرائيل". هذا في حين يحاول شارون چال، نائب آخر من نفس الحزب، العمل على تمرير مشروع قانون يوسّع أسباب شطب الأحزاب بغية منع بعض النواب العرب من دخول معترك الكنيست. وبينما تشترط وزيرة الثقافة تقديم التمويل لمسرح عربي بموقفه السياسي، تشهد مدينة حيفا مساساً كبيراً بحرية التعبير لدى المؤسسات الثقافية العربية. إنها خطوات تهدف في أحسن الأحوال إلى اشتراط حصول المواطنين العرب على حقوقهم بالتماهي مع الرواية القومية الصهيونية، وفي الحالات الأكثر شيوعاً إلى إلحاق الضرر غير المشروط بهم. وفي ذلك إستمرار للنهج العنصري الذي يقوده اليمين المتطرف منذ عقود، والمتصاعد بقوة في السنوات الأخيرة. وهو يشمل موجة التشريعات المعادية للعرب والتحريض عليهم داخل الكنيست والحكومة وكذلك تعاظم العنصرية في الشارع وفي أماكن العمل وإلى آخره من تلك المظاهر.
ظاهرياً، يبدو الأمر وكأنه سلسلة خطوات تدلّ في النهاية على التعاظم التدريجي المتتالي والمنهجي في قوة اليمين المتطرف المعادي للعرب. إلاّ أن الإكتفاء برؤية هذا الجانب من المشهد العام يوصلنا إلى تحليل خاطئ يعيق ويفتّ من عضد القوى الديموقراطية في إسرائيل التي تحاول جاهدة مواجهة هذا النهج الخطير.
كنت قد كتبت سابقاً أنّ المحاولات العديدة للمساس بحقوق المواطنين العرب داخل الكنيست والحكومة كما في الإعلام والشارع، هي ردّة فعل مضادة لتعاظم قوة المجتمع العربي داخل إسرائيل. وما يثير الدهشة هو أن المجتمع العربي، رغم التمييز والملاحقة السياسية إضافة إلى لعنصرية والإقصاء، يزداد قوة، كما أن حضور المواطنين العرب في الحيز العام، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد أصبح أقوى وأكبر من أي وقت مضى وذلك بموازاة بداية اندماجهم في مواقع هامة لاتخاذ القرار. ليس هذا الاندماج إندماجَ الخانعين بل هو مطالبة حازمة بالحقوق كأفراد وكمجموعة قومية، الأمر الذي يؤدّي لردّة فعل مضادة قوية.
كان من المفروض أن يشكّل رفع نسبة الحسم النجاح الأول لمحاولة المسّ بحقوق المواطنين العرب السياسية، غير أن "القائمة المشتركة" أتت ببشرى زيادة قوة تمثيلهم السياسي. وبعد ذلك لم تتأخر ردّة الفعل المضادة بالظهور: بدءا بالتحريض المتواصل من قبل ليبرمان، مروراً برئيس الحكومة الذي مارس التحريض أثناء المعركة الإنتخابية وانتهاءً بمحاولة لجنة الإنتخابات المركزية شطب ترشيح عضو الكنيست زعبي.
وكانت الذروة في يوم الانتخابات، إذ شهد من جهة زيادة قوة العرب ومن الجهة الأخرى ردّة فعل اليمين المضادة والحادّة. كانت الأحزاب العربية تخوض الانتخابات سوية مع الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة نحو تشكيل قوة سياسية غير مسبوقة تزامنا مع كون لجنة الانتخابات، للمرّة الأولى منذ قيام إسرائيل، برئاسة القاضي العربي سليم جبران، وفي المقابل يقوم رئيس الحكومة بالتحريض على المواطنين العرب وينجح بتحريك ردّة فعل مضادة لدى الناخبين الذين خرجوا إلى الصناديق لمنع تعاظم قوة العرب. إنّ من منع وسائل الإعلام من بث أقوال رئيس الحكومية التحريضية التي أطلقها في اليوم ذاته كان رئيس لجنة الإنتخابات نفسه، القاضي العربي الذي طالب مندوبو اليمين المتطرف في الإئتلاف الحكومي إطاحته من المنصب سنة 2012 عندما اتضح أنه لم ينشد النشيد الوطني الإسرائيلي في أحد المراسيم. وعلى ما يبدو، كانت ردّة الفعل المضادة من قبل الناخبين اليهود إزاء تعاظم قوة العرب أحد أسباب النجاح الذي حققه اليمين في الإنتخابات.
لكن وعلى غرار فشل اليمين بوقف سيرورات تعاظم قوة العرب من الناحية الاقتصادية، فإنه يفشل أيضاً من الناحية السياسية. ففي الكنيست الحالية يملك المواطنون العرب تمثيلاً غير مسبوق من خلال قائمة كبيرة يترأسها قائد شجاع ومقدام ويحظون برئاسة واحدة من اللجان البرلمانية. في السابق لم تكن قلة أعضاء الكنيست العرب الموزعين بين أحزاب متناحرة فيما بينها تشكّل مصدر قلق لأحد، ولو بقيت عضو الكنيست عايدة توما-سليمان مديرة لمنظمة اجتماعية، لم يكن نائب وزير الداخلية ليبالي بالأمر، لكنها الآن عضو كنيست فلسطينية الهوية تترأس لجنة كنيست وليست صهيونية كما أنها تتجرأ على مهاجمته مباشرة. حينها، خرج نائب وزير الداخلية عن طوره واقترح عليها إعادة بطاقة هويتها. الحال سواء في الهجمة على المؤسسات الثقافية العربية التي تتجرأ وتعرض رواية بديلة، والتي "تأخذ المال من الدولة ولا تتماهى معها" !! إنهم يستحقون التقدير على كلّ هذا فاليمين المتطرف وأعوانه داخل الحكومة يسعون لجعل العرب في المؤسسات الثقافية والجهاز القضائي أو في خدمات الجمهور والكنيست ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي والتنازل عن مطالبهم القومية والعودة لما كانوا عليه من ضعف وخنوع.
إنّ ما يحدث في إسرائيل ينضم لمجموعة من الحالات التاريخية التي شهدت تعاظم الممارسات العنصرية ضد الأقليات، خاصة على ضوء تعاظم قوة الأخيرة. ففي العديد من الأماكن، حصل أن الجهات التي ساندت الحياة المشتركة والمساواة ولم تعترف بذلك، تحوّلت من كتلة سياسية مركزية إلى مجموعة يائسة من المواطنين.
وهذا هو حال إسرائيل، فما زال التمييز والإقصاء ضد المواطنين العرب فظاً وقوياً. صحيح أن التمييز في الميزانيات قد تقلّص لكنه ما زال كبيراً، كذلك هناك القليل من المواطنين العرب في الوظائف المرموقة وأصوات أعضاء الكنيست العرب ما زالت تُعتبر بنظر قسم من الجمهور اليهودي غير شرعية. إذاً الطريق لمساواة السكّان العرب طويلة والصورة الحاصلة أبعد من أن تكون وردية، لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن زيادة الهجمات تشير إلى فشل اليمين بوقف سيرورات تعاظم قوة المواطنين العرب واندماجهم في الحياة العامّة. هذا لا يدعو إلى عدم المبالاة، بل العكس، فكلما إزدادت بؤر المساواة والمشاركة إزدادت معها الهجمات السياسية ضد المواطنين العرب وكذلك ردّة الفعل المضادة لتصبح أكثر عنصرية وخطورة وأعظم من حيث القوة التفجيرية. في المقابل، لا مبرر لليأس لأن بإمكان إنتصار قوى التحريض والمسّ البالغ بالتمثيل السياسي للمواطنين العرب أن يصعّد من حدّة الصراع المدني الداخلي ويؤججه. لذا ولمصلحة جميع المواطنين، عرباً ويهوداً على حدّ سواء، يجب منع حصول الأمر.
الكاتب مدير مشارك لسيكوي، الجمعية للنهوض بالمساواة المدنية
تمّ نشر المقال في صحيفة "هآرتس" باللغتين العبرية والانجليزية
[email protected]
أضف تعليق