عاد وزير خارجية آل سعود، عبدالله الجبير، مرة أخرى، إلى إدارة الاسطوانة المشروخة: «مرحلة انتقالية من دون (الرئيس بشار) الأسد؛» إذا كان هذا التصريح للاستهلاك السياسي أو لممارسة ضغوط ربع الساعة الأخير، فهو تصريح بائخ وسخيف؛ شرعية رئاسة الأسد، أصبحت وراءنا؛ حتى الأميركيون ليس لديهم بديل، وأكثر التفاهمات الإقليمية والدولية، سلبيةً، هي التي تتحدث عن تقصير فترة الرئاسة الحالية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مبكرة، بإشراف دولي، وبمشاركة الأسد؛ وهو حل معقول موضوعيا وديموقراطيا، ومقبول، سياسيا؛ فليس لدينا ذرة شك واحدة بأن مرشحنا سيفوز، بلا عناء.

إذا كان الجبير يستهلك الكلام أو يضغط؛ فإنها طريقة بالغة الغباء؛ يمكنه، مثلا، أن يصمت، أو أن يقول: نبحث ونرى؛ فالأمر مرتبط بتوافقات سورية إلى آخره من التعبيرات الدبلوماسية غير الملزمة، بالاتجاهين. ونحن نفهمها ما دمنا في مرحلة التفاوض. أما إذا كان الجبير يعني ما يقول، ومتمسك بما يقول؛ فعندها لا بد أن يفهم، هو وأسياده من آل سعود، أن الأسد باقٍ، وأن المرحلة الدفاعية التي نعيشها منذ أكثر من أربع سنوات انتهت، وأن مرحلة الهجوم المعاكس، توشك على الإنطلاق.

أعطيناكم، وربما لفترة محدودة جدا، فرصة الرجوع إلى العقل، والامتثال للواقعية السياسية: أنتم متورطون في حرب ــــ كمستنقع فيتنام ــــ ولا يغرنكم بضعة اختراقات في اليمن الجنوبي، وأنتم تعانون مشكلات مالية، وتواجهون تحدي نفط الصخر الزيتي، وتراجع أهمية المملكة عند العم سام، وأنتم مرعوبون من التمدد الإيراني ــــ وفي الواقع من هشاشة المملكة الداخلية المكونة، اعتباطيا، من محافظات يمنية ومحافظات بحرينية مقهورة، وحجاز محتلّ، ومجتمع استهلاكي مقموع لا يمكنه أن ينتج مؤسسة عسكرية وطنية ــــ وقد أردنا، كرمى لوقف سفك الدم السوري، فرصة استثنائية: إعادة ترتيب أوضاع المملكة ــــ والخليج ــــ من خلال إعادة بناء النظام العربي الثلاثي مع سوريا ومصر؛ فهل تريدون إلقاء هذه الفرصة في سلة المهملات؛ فتتبعوها؟

الأسد، بالنسبة إلينا، ليس شخصا ولا رئيسا ولا سياسيا؛ إنه رمز الصمود في هذه الحرب التي فرضتموها على الشام، بملياراتكم ووهّابيتكم الإجرامية ومليشياتكم التكفيرية، وتنسيقكم مع العدو الأميركي ــــ التركي ــــ الصهيوني. باسم ماذا؟ باسم الحرية؟ ليس المجال، هنا، للقهقهة! أم باسم حماية السنّة؛ والسؤال كيف يعيش السنّة في مملكة القهر الأميركية ــــ الوهابية، نفسها؟

كفّوا عن كل ذلك، فقد نفد صبرنا، وسئمنا من وقاحتكم البدوية الصهيونية، ومن جنونكم. كفّوا وارعووا؛ فحين نتوصل إلى اليأس من رجوعكم إلى العقل، فسيرى الذين كفروا أي منقَلبٍ سينقلبون.

وانتبهوا جيدا؛ نحن لا نهدد ولا نتوعد؛ وإنما هي حركة التاريخ التي لا تقبل بهذا الستاتيكو الذي ندفع ثمنه، دماء وخرابا، وأنتم في مأمن. هذه المعادلة غير قابلة للاستمرار موضوعيا، ولسوف تنفجر في لحظة آتية، وستجعلكم تعضّون أصابعكم ندما.

نحن نريد السلام، نريد التوصل إلى تفاهمات، نريد أن العودة إلى مناخ الأمن والاستقرار والتصدي للعدو الإسرائيلي أو، أقله، العودة إلى مركزية القضية الفلسطينية، نريد إعادة الإعمار، وإنهاء مآسي اللجوء. لكننا سنواصل مع الأسد، حتى لو احترقت المنطقة كلها، ودُمّرت عاليها على سافلها؛ فالأسد هو، اليوم، بالنسبة للوطنيين السوريين والعرب وأحرار العالم، ليس مبحثا في السياسة، وإنما عنوان كرامتنا القومية والشخصية.

لا تحتمل مملكتكم الكرتونية أربعة أشهر مما تحمّلته جمهوريتنا السورية؛ فكروا، إذاً، في الآتي من التطورات القاسية، فكروا بانتقام عشرات الآلاف من الأُسر التي أثكلتموها ويتّمتموها؛ فكّروا بشبكات الإرهابيين التي ربيتموها ومولتموها وانقلبت عليكم؛ ما تزال لديكم الفرصة للمصالحة. ونحن ما زلنا نريد أن نصالح؛ ليس لأنكم أهل للصلح، ولكن لأن شعبنا أهل للحياة والفرح، ومشرقنا أهل للتعددية والبناء والتقدم.
لا تضيّعوا الفرصة، ولا تتشاطروا على حلفائنا الروس؛ ففي الكرملين، أيضا، رجل يعتبر الأسد، علما من أعلام الكرامة الروسية.
لا تضيّعوا الفرصة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]