أمر مثير للإستغراب، بأن تطالب الأمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام بانكي مون بدعوة الدول المانحة للإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه وكالة "الأونروا"، لا بل والإعراب عن القلق من العواقب الإنسانية والسياسية والأمنية التي من شأنها أن تؤدي بالوكالة إذا لم يتم التمويل الكافي والمستدام لعام 2015 وعلى الفور..! تصريحات رأس هرم الأمم المتحدة التي أطلقها يوم الثلاثاء 4/8/2015 لا يعدو كونها نفاقاً أممياً يتقاطع مع ما تقوم به "الأونروا" من إجراءات على الأرض سواءً بجولات المفوض العام على الدول أو بالتصريحات المختلفة.. ولا تأتي إلا في سياق مسرحية تُوزَّع فيها الأدوار للوصول إلى الفصل الأخير بأن الأمم المتحدة ووكالة "الأونروا" قد بذلتا مجهوداً كبيراً قبل أن تُتخذ القرارات السياسية المصيرية المتعلقة بقضية اللاجئين وحق العودة..!
وكأن الأمم المتحدة لا تواكب التطورات المتلاحقة والمتسارعة لتقليص الخدمات وما الذي يمكن أن يحدث لأكثر من خمسة ملايين لاجئ سواء على المستوى التربوي أو الصحي والإغاثي.. ووضع الخطط المناسبة كي لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه نتيجة عدم التزام الدول المانحة بدفع المبالغ المطلوبة، لكن في كل يوم يسدل الستار عن حقيقة جديدة تُكرِّس التواطؤ الدولي على قضية اللاجئين؛ فوفقاً لميثاق الأمم المتحدة و"الاونروا" فإن الأمين العام للأمم المتحدة هو من يُعين المفوض العام ونائبه، والهرمية الإدارية مرتبطة مباشرة بين الأمين العام والمفوض العام دون وسيط، وسرعة الأمين العام بالموافقة والتوقيع على إضافة مادة جديدة إلى قانون عمل الموظفين في الوكالة كمقترح من المفوض العام على "حقه بمنح إجازة إستثنائية للموظفين المحليين غير مدفوعة الراتب ممكن أن تصل إلى عام كامل"، أحد مؤشرات العلاقة الإستراتيجية التي تربط الأمين بالمفوض، ومن المهم ذكره في هذا المجال بأن التجديد لبانكي مون لولاية ثانية لم تكن لتحصل لولا الرضى الأمريكي والصهيوني على أدائه في الوكالة بما يحقق أهداف الإحتلال والدول الحليفة..!
بدل "بكاء" و"قلق" الأمين العام كان الأجدى – إن كانت المشكلة بالفعل مالية – أن يقوم بالسعي وبمشاركة المفوض العام على توسيع سياسة عمل الوكالة لتشمل الميزانية بألا تكون طوعاً من قبل الدول المانحة، وحتى يتحقق هذا الإستحقاق أن تسارع الأمانة العامة للأمم المتحدة - على الأقل - باقتراض مبلغ العجز من الصندوق العام للأمم المتحدة حفاظاً على الوكالة كوْنها " أحد أعمدة الاستقرار لعدد السكان المسجلين والبالغ عددهم حوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني"، لا اللجوء إلى تعديل أو إضافة قوانين يتم من خلالها حرمان حوالي نصف مليون طالب من التعليم وتوقيف رواتب أكثر من 22 ألف موظف والقادم لا شك سيكون أعظم..!
مع سرعة التقليصات وتعديل القوانين في الوكالة، برزت أنياب الذئاب المستشرسة الرافضة لحق عودة اللاجئين وأهمها "مشروع الإطار" الذي يُروج له الوزير الأمريكي كيري بشطب حق العودة للاجئين من خلال التوطين ليس فقط في مناطق عمليات "الأونروا" وإنما كذلك في دول عربية أخرى وبتمويل عربي وخليجي، ومشروع مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمريكية ترامب بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في جزيرة بورتوريكو الأمريكية، ناهيك عما طرحه في كانون الثاني/يناير الماضي رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر وتعهده لدولة الإحتلال ورام الله بموافقة بلاده على استيعاب بعض اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن وسوريا ولبنان، في إطار أي تسوية سلمية بين المتفاوضين..!
لا شك هي المرحلة الأشد خطورة على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وبأدوات دولية غربية وعربية وإسلامية وإتفاق أوسلو كان البداية، مما يستدعي البدء بالتفكير من قبل اللاجئين من داخل وخارج الصندوق، والقيام بخطوات إستراتيجية يمكنها من تحرير فلسطين واستعادة المقدسات وتحقيق العودة وهذا يحتاج إلى قيادة فلسطينية رشيدة بالدرجة الأولى..!
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]
أضف تعليق