باب
في أواخر سبعينيات القرن الماضي كان لدي حلم بسيط وهو أن أطرق باب هذا المعهد وأقدم طلباً لدورة تمثيل، كنت أقف تحت شرفة المعهد وأسمع ضحكات الشباب الفنانين الصاخبة وأتحسر وأقول: أريد أن أصبح ممثلاً وأن أضحك مثلهم بصوت عال.
كنت أعاني من مراهقة شرسة، أردت أن أصبح شخصاً مختلفاً لكن مراهقتي التي صورتني لي جثة لا تصلح حتى للدفن سخرت من إرادتي فانكمشت على ضعفي وانخرست، كتت جباناً، لم أطرق الباب أبداً، ولم أطرق أي باب في حياتي إلا إذا دعاني الباب لطرقه.
قبل لحظات قررت أن أطرق الباب، لأقدم طلباً للضحك فقط بصوت عال ولم يعد حلمي التمثيل، طرقت الباب بقوة، كنت أطرق باب مرحلة صعبة، كانت أبوابها مقفلة بقوة، لم يفتح أحد، سمعت صوت بائع القهوة خلفي في بيت الدرج: (شو يا أستاز المحل امسكر من 30) سنة، فاندهشت: 30 سنة هل أنت جاد؟ الغريب أني كنت أعرف ذلك جيداً.
ابتعدي
ابتعدي الآن، اخرجي من هنا بانتصار أجمل المهزومات، وخذي معك كل شيء: قوالب الشوكلاتة الثمينة ووشاحك المبلل بالعتمة والظمأ، ودبابيس منديلك، وكتبك المفضلة وصور العائلة وبراعة طهيك وعطرك المجنون ويديك القاصرتين وضحكتك المليئة بالليل والفودكا، ابتعدي ، ابتعدي، وأبقي لي فقط: ارتباكك.
لا أريد سوى: النوم مع ارتباكك، الارتباك مع ارتباكك، المشي في ارتباكك، الموت في ارتباكك.
صيف
في صيف 1983 كنت مشروع طالب جامعي، وحيداً لأيام طويلة أمشي في شارع وزارة المالية وسط عمان أبكي حقيبتي التي أضعتها في سيارة أجرة، بلا شهادة الثانوية العامة، بلا أقارب أعرفهم وبلا جواز سفر وملابس وبلا نقود كنت أبكي حظي، لا أعرف أحداً ولا أحد يعرفني، في مدينة كبيرة وشرسة لا تعرفني ولا أعرفها.
هذه اللحظات وبعد 30 عاماً من أيام الدموع والجوع والضياع والوحدة أجلس على بعد أمتار عن نفس شارع وزارة المالية بجواز سفر ونقود وحقيبة ملابس وعشر مجموعات قصصية، وكثير من النقود، وأصحاب رائعين أعرفهم جيداً ويعرفونني.
كم أود لو أذهب الآن إلى زياد الجائع والضائع الذي ما زال شبحه يمشي في الشارع لأعزمه على عشاء ثقيل وأعيره قميصي وجواز سفري ليعود إلى بلاده. شكراً لعمان، شكراً للأصحاب.
[email protected]
أضف تعليق