مع أنّه من المبكر لتتكشف لنا ثنايا الاتفاق الايراني النووي، الا أنّ صحيفة "واشنطن بوست" طرزت افتتاحية تصف الاتفاقية النووية الإيرانية بانها كامب ديفيد جديد في المنطقة، فيما رـن صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها ان الاتفاق النووي مع ايران سيجعل من ايران حائط صد ضد الارهاب في المنطقة والعالم.

أميركا باتت تنظر الى ايران كشريك اساسي ومهم في رسم مستقبل المنطقة بتحالفات جديدة سياسية وعسكرية، في حين أنّ تعنت بعض دول الخليج من جهة واستمرار اسرائيل من جهة اخرى بالاستمرار بدعم الارهاب بهدف تحقيق اختراق او حتى توازن مع ايران ومحور المقاومة يجعل من بعض دول الخليج واسرائيل في قارب واحد.

إذاً، أميركا تنظر الان الى ايران نظرة مختلفة عن النظرة السابقة، فلقد اسقطت التهم عن ايران كمحور للشر وراعية للارهاب وباتت ايران البلد صاحب البرنامج النووي السلمي مندمجا في المجتمع الدولي له ما له وعليه واجبات وهو البلد الاساسي في صد الارهاب ووجهة الاقتصاد الغربي القادم من خلال الهجوم على ابرام العقود مع الشركات والحكومة الايرانية.

التهافت على ايران بدأ. وزير الاقتصاد الالماني يزور ايران يوم الاحد المقبل. وزير الخارجية الفرنسي يزور ايران الاسبوع المقبل. الخارجية البريطانية على لسان فيليب هاموند مستعجلة لاعادة فتح السفارة البريطانية في طهران. وزير الخارجية الأميركي يزور ايران بعد تصديق الكونغرس الأميركي على بنود الاتفاق.

أكثر من ذلك، قريبا وقبل انتهاء ولايته الرئاسية، فاننا سنشهد الطائره الرئاسية الأميركية (air force one) تهبط في مطار طهران وعلى متنها الرئيس الأميركي باراك اوباما يهبط من سلم الطائرة الرئاسية في مطار طهران وتفرش له السجادة الايرانية.

باختصار، في القادم من الايام ستكون طهران القبلة الاقتصادية للدول الكبرى..

اما في الجهة المقابلة فان المملكة العربية السعودية تحديدا المرعوبة والمزعوجة من ايران النووية ورغم اغراءاتها للولايات المتحدة التي تعتبرها الحليف التاريخي والاساسي والضامن لامن الخليج وخصوصا للسعودية لم تلق اذانًا صاغية لصراخها، بل واكثر من ذلك تجاوزت أميركا الخوف والصراخ السعودي لتبرم اتفاقا تاريخيا مع ايران وهذا ما اعتبرته السعودية طعنة قوية في الظهر وانه خطأ استراتيجي.
بريطانيا بدورها ايضا حذت حذو أميركا.

ألمانيا ورغم انحيازها للسياسة الاسرائيلية شاركت بابرام الاتفاق وتجاوزت السعودية واسرائيل معا.
فرنسا ورغم ابرام صفقات بالمليارات مع السعودية فتشت عن حصتها من السوق الايراني الجديد ولم تصغ الى صراخ السعودية او الى عويل اسرائيل.

روسيا والصين اللتان زارهما وبشكل سري رئيس وزراء العدو بينيامين نتانياهو خلال الاسبوع المنصرم بهدف اقناع الصين وروسيا ان الاتفاق يهدد امن المنطقة لم يجد من يسمع له لان الاذان والانظار كانت موجهه صوب فيينا.
تركيا التي اصيبت بغصة وحرقة من الاتفاق الايراني طالبت بحصتها من الاتفاقات الاقتصادية لا سيما النفط والغاز الايراني.
الكل توجه صوب ايران والكل ادار ظهره للسعودية واسرائيل.

من نافل القول ان المصيبة باتت تجمع السعودية واسرائيل.

لم يعد امام السعودية الا ان تطرق باب موسكو للمساعدة ببدء عملية النزول من اعلى الشجرة خصوصا بعد ان تخلى عن تلبية مخططاتها ورغباتها في المنطقة كل حلفاء الامس والا فان استمرار التعنت و الاصرار السعودي على تنفيذ رغباتها ومخططاتها في المنطقة ودعم الارهابيين من تنظيم القاعدة للقتال في سوريا والعراق واستمرار اعتبار ايران العدو الاول بدل العدو الرئيسي اسرائيل ومحاولة التعكير والتعطيل للبدء بتنفيذ الاتفاق النووي الايراني وبكل السبل المتاحة، فانها وبكل بساطه ستجد نفسها عن قصد او غير قصد تلتقي مع رغبات العدو الاسرائيلي، فهل نشهد تعاوناً سعودياً اسرائيلياً علنيًا بهدف التوازن مع ايران وبيع فلسطين بالمزاد السعودي؟ هذا ما ستكشفه لنا الايام القادمة، واذا ما حصل مثل هذا الامر لا سمح الله فان بعض دول الخليج الداعمة للحركات الارهابية ومنها السعودية ستكتشف ان ما حصل في سوريا منذ اربع سنوات ونصف حتى الان سينتقل وبدون ادنى شك للداخل الخليجي وهو ما بدأ بالفعل لكن الصورة ستكون اكثر قسوة وضراوة.
اما الباب الامن والضامن الاكبر والاقل خسارة والذي يحفظ ماء الوجه الخليجي والسعودي تحديدا هو الباب الايراني. نعم، الباب الايراني.
فالخارجية الايرانية طلبت اكثر من مرة زيارة المملكة العربية السعودية لكن دون رد سعودي.

اننا وبكل امانة ومن باب الحرص على الامن العربي والحفاظ على ما تبقى من عروبة وحفظا لاسلام معتدل وضرورة التمسك بفلسطين وكي لا تجنح اجيالنا القادمة نحو اسلام متطرف وسلام مذل مع العدو نرى ان هناك ضرورة ملحة للعودة للاستراتيجية التي رسمها الراحل الكبير الرئيس حافظ الاسد عندما كان المهندس للعلاقات العربية الايرانية وميزانها.

السعودية لم تحسن قراءة زيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما الى كوبا وما لها من تداعيات ومتغيرات طرأت على السياسة الأميركية في التعاطي مع الملفات الخارجية وطي صفحة العداء مع كوبا التي استمرت لاكثر من نصف قرن.
اوباما وفي مؤتمره الصحفي اليوم قال بدأنا السير بحل سياسي في سوريا وهدفنا هزيمة "داعش"، وأضاف أنّ ايران يجب ان تكون جزءًا من الحل في سوريا.

حان الوقت لاعادة قراءة رسالة السفير بشار الجعفري عندما قال لمندوب السعودية في الامم المتحدة ان سوريا هي الضامن لعلاقة استراتيجية ومتوازنة مع ايران، فهل قرأ المسؤولون السعوديون هذه الرسالة؟
سوريا التي ادهشت العالم بصمودها شعبا وجيشا ومؤسسات على مدى اربع سنوات ونصف ولم تزل ستبقى صامدة ولن تُهزم بل ستهزِم كل المؤامرات وستبقى المحور الرئيسي للتنسيق العربي وقلب العروبة النابض.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]