تحدثت لكم عن رحلتي الى الصين في آخر مقالين؛ أكتب لكم هذا المقال وأنا عائد منها الى أرض الوطن، وأود التوضيح بأن مشاهداتي التي تحدثت وسأتحدث حولها عن الصين قد تختلف مع أي قارئ/ة قد زار أو سيزور الصين لسبب بسيط وهو اختلاف العين التي ننظر من خلالها الى ما نريد بالتالي تختلف رؤيتنا من شخص الى آخر حتى في المشهد الواحد.
العالم العربي والإسلامي غائب وتائه عن الصين بطريقة غير مفهومة دون أي مبرر!! مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الوطن العربي والإسلامي يتعامل مع الصين كأولى الدول المنتجة لجميع البضائع الاستهلاكية له، لدرجة بأن فانوس رمضان ومنبه الآذان للصلوات الخمس اليومية الموجود في المساجد أصبح الآن يصنع بالصين؛ ولكم أن تتخيلوا الصناعات الخفيفة والثقيلة التي نتعامل معها بشكل يومي أين صنعت؟! حتى الشركات المتعددة الجنسيات في هذا العصر أصبح جنسيتها صنع بالصين. لهذا أعتقد بأن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عليها وضع خطط مبنية على سياسات وأهداف واضحة مع الصين، ومن يستغرب لماذا منظمة التعاون الإسلامي؟ الجواب بشكل سريع وبسيط بسبب وجود أكثر من 22 مليون مسلم صيني.
على صعيد العلاقة الفلسطينية الصينية، يجب التعاطي مع هذه العلاقة بمنتهى الجدية والدبلوماسية التي تؤسس علاقة إستراتيجية ليس فقط على الصعيد السياسي وهو الأهم؛ وإنما بكافة المجالات التنموية لمختلف القطاعات: الزراعية، الصناعية، الثقافية، العلمية...... الخ وحتى الرياضية؛ وهذا يتطلب رؤية في تحديد ما نريد نحن أولاً من احتياجات تنموية ليتم نقل الخبرات المختلفة للكادر الفلسطيني ليس فقط بالإطار النظري، بل حتى في الجانب العملي بمعداته وأدواته والمتطلبات المختلفة؛ أعتقد وكلي إيمان بعد معرفتنا ما نريد من الناحية النظرية والعملية، الصين ستقوم بما نحتاجه لسبب بسيط وهو أن هذا التنين يعلم جيداً كيف ينهض بين الركام ويستطيع أن يجعلنا نحن الأشقاء _كما يتم وصفنا_ أن ننهض في زمن التهافت. لهذا أولاً: على الحكومة الفلسطينية متمثلة بوزارتي الخارجية والتخطيط أن تقوم بمهمة البيت الداخلي وكلي ثقة بزملائي في الوزارتين بهذه المهمة لامتلاكهم الخبرة التي بدأت تتراكم على مر السنين. ثانياً: وضع توجه عام حكومي ومؤسسات أهلية وقطاع خاص ليكون هناك قناة واحدة للتعاون مع ممثلية جمهورية الصين الشعبية، والسبب في ذلك هو عدم إضعاف النهر بالعديد من القنوات التي لا تخدم الاستنهاض التنموي في فلسطين. ثالثاً: إشراك ودعوة ممثلية الصين في الأنشطة التنموية بمختلف القطاعات، ولا نكتفي فقط بدورها السياسي أو مجرد الحصول لفيزا.
من الصعب بل والمستحيل مقارنة حالة الانتماء للعمل بين المواطن الصيني ومواطن آخر؛ ربما المنافس بقوة هو الكوري والياباني، تم وصف الشعب الألماني بالآلة «مواكن» لكن كل فرد في المجتمع الصيني عبارة عن آلة متنقلة تعمل لصالح المجتمع، خلية نحل لا تتعب وإنما تتعب إن لم تعمل، العمل بالنسبة لهم عبادة، الفرد في المجتمع الصيني في حالة سباق مع الوقت، وكما قلت في المقالات السابقة كل فرد في موقعه ملك مبدع، وهنا لا أستطيع أن أتخيل واقعنا العربي وللأسف الفلسطيني أيضاً لأسباب أعلمها جيداً من الأبوية والبيروقراطية والواسطة والفساد....الخ وصولاً الى الضعف الذاتي الذي أصابنا كحالة مرض مستعصية لكن يجب العلاج منها وسريعاً مهما كلف الأمر، لأن العمل والتطور لن يرحم أحد ولن يرحمنا التخلف.
وأنت في بلد عدد مواطنيه أكثر من مليار و 300 مليون مواطن تشعر بكل تأكيد بحالة من الاغتراب، لكن هذا الشعور سيزودك بطاقة إيجابه لم يقدمها لك وطنك الذي تحبه، لهذا لا خيار لنا سوى وطننا الذي نحبه مع كل شهيق وزفير، ولا وطن لنا سوى فلسطين، فبالرغم من الجراح العديدة الذي يعاني منها الفدائي الفلسطيني إلاّ إنه لا خيار لنا سوى علاج نزيفنا الداخلي بكل إصرار ومهما كلف الأمر، وعلينا أنقف متحدين في عملية البناء، الشعوب هي من تنتصر من خلال كل فرد في موقعه، وعلينا كأفراد وبالأخص الشباب أن لا نقف في الظلماء ونلعنها، إن اليوم الذي يمر دون عملية بناء بسواعد شباب البلد وأبناؤه هو خسارة وطن بكامله، لهذا على القيادات الفلسطينية بالتحديد أن تستفيد من تجارب الدولة التي نهضت بين الركام بسواعد شبابها وأصبحت تقود العالم فقط بإقتصادها. بالنهاية أقول وبكل احترام وتقدير عند مشاهدتي في المستقبل عبارة «صنع في الصين» على أي منتج سأتذكر شعبا ينهض ليركض ويسابق الزمن.
[email protected]
أضف تعليق