لطمة جديدة مزدوجة تلقاها المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يوم 26 حزيران 2015، عبر التوصل إلى تفاهم وتوقيع اتفاق بين حاضرة الفاتيكان ودولة فلسطين، وقعه وزير الخارجية الأسقف بول ريتشارد غالاغر وعن فلسطين وزير خارجيتها رياض المالكي، الذي وصف الاتفاق بأنه « تاريخي « وبمثابة اعتراف الدولة رقم 136 بفلسطين، وحدد «وضع فلسطين الخاص كمهد للديانة المسيحية، وأرض الديانات التوحيدية»، وبوضع وحماية الأماكن المقدسة المسيحية ضمن الولاية الفلسطينية (وليس تحت الولاية الإسرائيلية)، وهذا له دلالة معنوية وأدبية وأخلاقية ودينية وسياسية ستترك بصماتها الإيجابية لصالح الشعب الفلسطيني من قبل المسيحيين في العالم، وهذا هو الشق الأول من الصفعة على وجه تل أبيب وسياستها العنصرية الأحادية التوسعية الاحتلالية، أما الشق الآخر فهو فشل سياستها في التوصل إلى اتفاق مماثل مع الفاتيكان رغم المباحثات والمفاوضات بينهما المتواصلة المتقطعة منذ عام 1993، أي منذ اتفاق أوسلو وولادة السلطة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، وحتى يومنا هذا .
ولهذا عبرت خارجية المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، عن أسفها لقرار الفاتيكان ورفضها له، وقد صرح الناطق باسمها عمانوئيل نحشون بقوله « لا يمكن لإسرائيل أن تقبل بالقرارات أحادية الجانب الواردة في الاتفاق» وذلك لأن «نصوص الاتفاق تتجاهل المصالح الإسرائيلية واليهودية» على حد تعبيره، وفي هذا السياق لا بد من الإقرار أن خطوة الفاتيكان هذه في إقرار الهوية الوطنية للمقدسات المسيحية باعتبارها قائمة على أرض فلسطين ليست جديدة، بل تمت في سياق سياسة تدريجية بدأت منذ عام 1975، حينما سجل البابا بولس السادس، الفضل حينما أكد أن الفلسطينيين ليسوا مجرد لاجئين بلا هوية، بل يشكلون شعباً له حقوق وتطلعات، وعليه عين البابا يوحنا بولس الثاني لأول مرة عام 1987 ميشال صباح ابن الناصرة بطريركاً تقديراً منه لمكانة الرجل ودوره ولشعبه، وكانت فاتحة الاتفاقات بين الفاتيكان ومنظمة التحرير عام 2000، ومنذ تولي البابا فرنسيس مهامه فتح أبواب الفاتيكان مشرعة نحو فلسطين، وزارها وتوقف أمام جدار الفصل العنصري رافضاً له وصلى من أجل إزالته، واعترف بدولة فلسطين، بعد الاعتراف الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين وقبول عضويتها كدولة مراقب عام 2012، هذا ما فعله الفاتيكان، وله الفضل في ذلك.
ولكن الفضل الأساس يعود لرجال الدين المسيحيين أبناء الشعب العربي الفلسطيني الذين أسهموا بتغيير موقف الكنيسة الجوهري لصالح الشعب الفلسطيني والإقرار بعدالة قضيته، بدءاً من الراحل الأب إبراهيم عياد الذي تفانى وتفرغ لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته ووظف دوره الكنسي كرجل دين يؤمن بعدالة قضيته وبالسيد المسيح الفلسطيني الأول رمز عدالتها وتضحياتها ولا يزال، ودور المطران الراحل إيليا خوري المعطاء الذي واصل طريقه بلا تردد بالمزاوجة بين فلسطينيته ومسيحيته، أما المناضل الكبير المطران كبوشي فقد جسد الانخراط حتى نخاع العظم برحلة النضال الفلسطيني ونقل السلاح بسيارته الدبلوماسية إلى مناضلي فلسطين تأكيداً على عروبته كمواطن سوري، ورجل دين مسيحي عرف أن موقفه ومكانته بين مناضلي فلسطين وفي أتون جهادها لكنس الاحتلال واستعادة شعبها حقوقه على أرضها، ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة قضاها في سجون الاحتلال، إضافة إلى رجل الدين الشجاع المطران عطا الله حنا الذي واصل العمل حازماً موقفه، عارفاً طريقه وسط شعبه ولصالح رعيته المسيحية الفلسطينية، ولا يزال.
أبونا قسطنطين قرمش والدكتور رمزي خوري رجل المهمات الصعبة لدى الراحل ياسر عرفات كان لهما الدور والفضل الذي يسجل لهما أمام شعبهما الفلسطيني، حيث أعطيا الواجب والعمل مما يستوجب التقدير على الطريق الطويل، وإذا كان للمسيحيين الفلسطينيين من دور، فلا شك أيضاً أن المسيحيين الأردنيين شركاء في هذا الدور يؤديه المطران فؤاد الطوال ابن مأدبا وبطريرك القدس الأمين على مقدساتها والراعي لرعيته على أرضها، الحازم في وطنيته لصالحها، والمدافع القوي على فلسطينيتها، كما نذكر بالخير الأب رفعت بدر والأب نبيل حداد اللذان يسهما في التعامل مع الآخرين لتقديم صورة المسيحي الحقيقي الذي يجمع بين نبله كرجل دين، وبين وطنيته الأردنية وقوميته العربية ويوظف كل ذلك من أجل فلسطين، باعتبارها مهد السيد المسيح وعلى أرضها أقدس مقدسات المسيحيين كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس، وكنيسة البشارة في الناصرة، وهذا هو سبب انتصار الفلسطينيين التدريجي متعدد المراحل والذي سيتوج باستعادة حقوقهم الثلاثة : 1- حقهم في المساواة في مناطق 48، و2- حقهم في الاستقلال في مناطق 67، و3- حق اللاجئين في العودة إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها باعتبارها وطنهم الذي لا وطن لهم سواه.
[email protected]
أضف تعليق