ومن صمود سوريا سيُصاغ العالم الجديد

كأن الحقد، والحقد فقط، هو الذي يسيّر قبائل الكاز والغاز في الخليج، وتحديداً في مملكة الرمال.

هذا على الأقل ما تكشفه وثائق "ويكليكس" التي اعترفت وزارة الخارجية السعودية بصحتها، وإن كانت تحت عنوان "تأكيد ثبات السياسة الخارجية السعودية".. يا لهول هذا الثبات القاتل الذي ترسّخ عبر مسيرة سعودية تمتد على مدى نحو تسعين عاماً.

لنلاحظ هذه الوثيقة المأخوذة من "صقر الجزيرة عبد العزيز آل سعود - الجزء الثاني"، هو كتاب طُبع على نفقة آل سعود، لمؤلفه الباكستاني أحمد عبد الغفور عطار، وفيه تمجيد وتفخيم بالمؤسس: "القوة الوهابية الضاربة في جيش عبد العزيز آل سعود، وقد اشتهر أفرادها باسم الإخوان، تدفقوا إلى داخل الطائف، كما تدفق إليها الأعراب الطفيليون معهم، وهم يهتفون هتافات عالية قوية يشقها أزيز الرصاس من البنادق والرشاشات في الفضاء وقتلوا كل من وجدوه بها، واحتلوا المراكز الحكومية والأبراج والقلعة ونهبوا ما بها، واختلط القاتل بالفاجر، وانتهز الذئاب الآدميون فرصة فقدان السلطة من البلدة، وانتشار الاضطراب فيها، فراحوا يقضون الليل في السلب والنهب والقتل وهتك الأعراض.. وقد وجد البدو ممن لهم ثارات عند الأهالي فرصة نادرة للانتقام، فزحفوا إلى بيوتهم، واقتحموها عليهم، وقتلوهم شر قتلة تشفياً منهم، وهتكوا أعراضهم.."، ويتابع أحمد عبد الغفور عطار شهادته عن موقف عبد العزيز مما ارتكبه جيشه في الطائف، فيقول: "يقول لي عبد العزيز آل سعود: لقد وصلني وأنا في الرياض خبر المذبحة في الطائف، فبكيت حتى تبللت لحيتي، واعترتني الكآبة، وغامت على وجهي سحابة من الحزن البالغ العميق، وتمنيت لو لم ينتصر سلطان بن بجاد (القائد العام لجيش ابن سعود الذي احتل الحجاز) بهذا الثمن، وبعثت رسولي إلى سلطان بن بجاد، وخالد (بن منصور بن لؤي أمير الحملة السعودية لغزو الحجاز) مهدداً، وطلبت منهما الكف عن القتال، ولما قدمت مكة عزمت أولياء القتلى وأهاليهم على وليمة، وألفت لجنة للتعويضات على منكوبي الطائف، وأعطيت كل واحد عشرة ريالات فرنسية، وصاعاً من القمح". (الصاع من القمح عبارة عن 3 كلغ من القمح، وعشرة ريالات فرنسية تساوي جنيهاً استرلينياً واحداً).. يا للكرم!

إذاً الحقد، فقط هو الذي يسير قبائل الغاز العربي، والانتقام من بلاد الشام، وروحها سورية، وهو ما أخذ ينعكس على حالة القلق في المجتمع السوري، بحيث بات واضحاً للقاصي والداني أن نسبة انخراط السوريين في التنظيمات الإرهابية آخذ بالتقلص، وبات النزوح إلى مناطق سيطرة الدولة الوطنية السورية هو المرادف لسقوط أي منطقة في أيدي المجموعات الإرهابية، بما فيها تلك التي كان يقال عنها أن فيها "بيئة حاضنة".
الحقد والمال الطائل هما اللذان يتحكمان بقبيلة الحكم في السعودية، التي تعتقد أنها بالرشوة والمال تغير الكون.. "أي معارضة ستتسلم السلطة في سورية إذا ما أزحنا رأس النظام".. عبارة سمعها بوضوح ولي ولي عهد مملكة الرمل من فلاديمير بوتين في موسكو.

ومثل هذا الكلام كان قد سمعه مسؤولون سعوديون آخرون في واشنطن، وآخرهم وزير الخارجية الجديد، الذي أسمع مثل هذا الكلام وهو يودّع المسؤولين الأميركيين كسفير في واشنطن، لاحتلال رأس الدبلوماسية في الرياض.

ثمة حقيقة سمعها السعوديون جيداً من باراك أوباما: محاربة الإرهاب تتم بتحديث الرؤى والمفاهيم.. والعدالة هي التي تحمي أنظمة الخليج.
قال ذلك أوباما، وهو الذي يعرف أدق التفاصيل عن أحوال وأهوال العرب، وتحديداً بائعي الكاز العربي، لهذا تطرق إلى الاحتمالات التي تنظرهم، وأن الإرهاب حتماً سيدقّ ممالكهم ومشيخاتهم بقوة وقريباً.. لكن بين نصيحة أوباما ونصيحة الطوراني رجب طيب أردوغان، يبدو أن بائعي الكاز ماضون في أيديولوجيا أردوغان الذي دعا لشق طريق "داعش" و"النصرة" بالمال والإيديولوجيا لتدمير وإنهاء سورية والعراق.. وكأنها تطبيق للتلمود.

الخليجيون بالتأكيد اكتشفوا في قمة كامب دايفيد مع سيدهم أوباما، أن الولايات المتحدة تغيّرت، دون أن يعني ذلك أنها ستتخلى في أي لحظة عن مصالحها، لكنها أدركت أن "يالطا" لم تعد قائمة، وأن نظرية جورج بوش الابن الغبية والغيبية حول القطب الكوني الأوحد اندثرت.

ببساطة، الأميركيون يعرفون جيداً أنهم صاروا بحاجة إلى إعادة هيكلة علاقاتهم مع الدول والخارج، بعيداً عن مفهوم البلاط والعشيرة والقبيلة..

ثمة حقيقة سورية واحدة تبقى هي الثابتة، الصمود المدهش للدولة الوطنية السورية وجيشها يحاصر النفاق الدولي، ويفضح حقيقة وواقع حلف العدوان، بدءاً من تل أبيب، مروراً بعواصم الأعراب والخليج، وتركيا والدولة العبرية، وليس انتهاء بباريس التي سيأتي يوم يحال فيه رئيسها الدمية إلى المحاكمة بتهمة تلقي رشاوى الكاز العربي، وانتهاء بواشنطن التي ستجد نفسها مضطرة للبصم على الموقف السوري بضرورة واهمية تجفيف منابع الإرهاب وقطع خطوط الامداء والتمويل والتموين عن العصابات الإرهابية.