أربع سنوات مرت ونحن نتابع برامج الحوارات والسجالات السياسية، وخاصة المتمحورة حول الأزمة السورية التي يعتبرها البعض "ثورة" على النظام أسوة بما سبقها في تونس ومصر وليبيا. بينما كانت في بدايتها حركة احتجاج داخلية على قضية عينية في درعا، إلا أنها توسعت حتى تدخلت فيها قوى مختلفة خارجية بدأت من تركيا وامتدت الى أصقاع المعمورة، وتبين فيما بعد أنها تنفيذ لمخططات غربية تهدف الى تقسيم سوريا الى كانتونات طائفية وعشائرية صغيرة ضعيفة، وضرب النظام القومي الأخير في العالم العربي والمعارض للسياسات الغربية وخاصة الأمريكية، والمتحالف مع المقاومة الاسلامية- الوطنية- اللبنانية وايران المدعوم من روسيا والصين، فالسياسة الغربية تقتضي التخلص من هذا النظام الذي يشكل قلب المحور المقاوم والذي يهدد المصالح الأمريكية ويثبت النفوذ الروسي في المنطقة، ومن لا يرى هذه الخيوط المتشابكة، وهي واضحة للعيان، انما يريد تشويه الواقع وتبرير موقفه المتساوق مع الأطماع والمصالح الغربية والمتغاضي عن وحشية الحركات التكفيرية الظلامية، التي استجلبت تحت بصر ورضى ودعم الغرب وسهلت لها تركيا العبور من أراضيها الى سوريا.
أربع سنوات ألقيت فيها أطنان الكلام المكرر، المعاد، والذي بات مملا لدى من تابعه. أربع سنوات ونحن نسمع التحليلات اياها، ذات الحجج والتبريرات، نفس المواقف والآراء التي انقسمت ما بين "مؤيد" للفوضى والتمرد والخراب في سوريا، وبين مؤيد لبقاء الدولة السورية القومية الموحدة الواحدة، والتي يضمنها الرئيس بشار الأسد. وظهر لدينا فريقان كل يتمسك برأيه وموقفه ولا يتنازل عنه، بل يحتد ويغضب لرأيه ويلغي الرأي الآخر، وتكون لدينا مشهد اعلامي مغاير لما عايشناه خلال الثورتين التونسية والمصرية. ولم يتوقف الأمر عند النقاش والسجال بالآراء ووجهات النظر، بل انتقل سريعا الى التضارب بالأيدي والعراك بالكراسي وقذف كل ما تطاله الأيدي داخل استوديوهات التلفزة، وبان جليا انحياز "الجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية الى جانب خصوم وأعداء النظام السوري، فعزف الكثيرون عن تينك المحطتين وأشباههما، وتم الاستعاضة عنهما بمحطات لبنانية مثل "الجديد" على وجه الخصوص التي تمتاز بتقديم برامج موضوعية، مهنية.
وكان أن ظهرت قبل عام بقليل، أي بعد ثلاث سنوات على بداية "الأزمة" السورية، فضائية "الميادين" التي أعادت للاعلام الموضوعي والمتزن والرصين والموازي للالتزام القومي والانساني مكانته، فعادت للبرامج الحوارية رونقها وللقاءات السياسية عمقها وللبرامج الوثائقية اعتبارها، وللاعلام العربي من خلال "الميادين" نبضه العروبي المقاوم والملتزم بقضايا الأمة، المتضامن مع المستضعفين والمناصر للقوى المتصدية للارادة الأمريكية خاصة والغربية عامة، وأثبتت "الميادين" جدارة الحياة لمن تخلوا عنها أو كادوا، وأعادت للقضية الفلسطينية حضورها وللشعور القومي ألقه كما عرفناه أيام عبد الناصر، ولهذا تتكالب عليها قوى الشر كما تتكالب على سوريا، وتعمل على تشويش بثها وهذا يدل على أن النهج الاعلامي للميادين أثبت مدى نفوذه وانتشاره وقبوله بين الناس.
ودخلت البرامج الحوارية والنقاشات مرحلة جديدة، ليس فقط مع ظهور "الميادين" انما مع صمود النظام والشعب والجيش العربي السوري، وتصديهم بكل قوة وعناد وتصميم لعصابات التكفير والتدمير والتهجير و"التنحير". فمعارضو النظام كانوا يظهرون – ومنذ بداية الأزمة- على شاشات التلفاز وهم يدعون بثقة وابتسامة خبيثة على أطراف شفافهم، ويرددون ما يقوله زعماء الغرب بأن النظام سيسقط بعد أسابيع أو بعد أشهر كحد أقصى. ومرت الشهور وتلتها الأعوام والنظام لم يسقط، ليس هذا فحسب بل أخذ يسجل انتصارات على العصابات المكونة من عشرات الآلاف من المحاربين المأجورين، والمدعومين بأعتى أنواع الأسلحة وأغزر مصادر الأموال المشبوهة، وآخرها اعادة سيطرته بفضل بطولات الجيش العربي السوري ومقاومة "حزب الله" اللبناني على تلال القلمون المحاذية للحدود اللبنانية. مما اضطر أولئك الى تخفيف لهجتهم وتراجعهم عن حدتهم، وبالمقابل ازداد حقدهم على الرئيس الأسد وجيشه الباسل وعلى المقاومة وسيدها، وارتفع رصيد ممثلو الطرف النقيض والمتمسك ببوصلته القومية، والذين تخلوا بدورهم عن الردود العصبية وباتوا أكثر هدوءا بعدما رجحت كفتهم، وثبتت حججهم، وارتفع رصيدهم سواء الميداني أو السياسي، وبالتالي اعكس على حضورهم الاعلامي.
وأمام ذلك لم يتوقف الغرب وتركيا متفرجين، وكي ينقذوا انفسهم من تلك الورطة، ويرفعوا من معنويات عصاباتهم المأجورة، قاموا بتقديم الدعم اللامحدود لها واطلاق عصابات "داعش" مع الأسلحة والعتاد والأعداد البشرية لتحتل مدينة تدمر الأثرية، كي تخلق حالة من التوازن في الميدان. فهل جاء هذا الهجوم فجائيا، وهل باتت داعش قوة دولية أم أن دعما دوليا يقف وراءها ويزودها بكل ما تحتاجه؟ لا يمكن لأصغر محلل سياسي ألا يرى الرابط بين دحر العصابات المسلحة في القلمون والجرود اللبنانية- السورية، وانهيارها أمام ضربات الجيش العربي السوري و"حزب الله"، وبين القوة الكبيرة الفجائية التي زودت بها "داعش" لتحتل تدمر بهذه السرعة، وذلك كي لا تنهار معنويات تلك العصابات نهائيا، مما يثبت للمرة ما بعد الأف، أن "داعش" ومفرداتها من لا تعمل في فراغ ومن دون ظهر يحميها ويزودها بالمال والعتاد، وأراض تمر منها لتدخل وتخرج من والى سوريا بحرية متناهية. لكن الصمود الميداني للجيش السوري ومعه المقاومة اللبنانية، والى جانبه الحملة الاعلامية المتزنة والواثقة، سيؤديان الى اندحار كل قوى الشر والدمار واخلائها من أراضي سوريا والعراق، مهما اتسعت وانتشرت في الأراضي الجرداء، فان الأرض الكثيفة بالسكان والارادات الشعبية ستكون عصية عليهم وستردهم خائبين مدحورين.
(شفاعمرو- الجليل)
[email protected]
أضف تعليق